الإشارة : من شأن العارف الكامل أن يأخذ بالعزائم، ويأمر بما يقتل النفوس، ويوصل إلى حضرة القدوس، وهو كل ما يثقل على النفوس، فإن أتاه من يفتنه ويرده إلى الهوى، حفظته العناية، واكتنفته الرعاية، فيقال له : وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك ؛ وحي إلهام، لتفتري علينا غيره، فتأمر بالنزول إلى الرخص والتأويلات وإذًا لاتخذوك خليلاً. ولولا أن ثبتناك ؛ بالحفظ والرعاية، لقد كدت تركنُ إليهم شيئًا قليلاً، وهي : خواطر تخطر ولا تثبت. إذًا لأذقناك ضعف الحياة، وهو : الذل والحرص والطمع. وضعف الممات، وهو : السقوط عن مقام المقربين، أهل الرَّوح والريحان. وإن كادوا ليستفزونك من أرض العبودية، ليخرجوك منها إلى إظهار الحرية ؛ من العز والجاه، وإذًا لا يلبثون خلافك ممن اتبعك إلا قليلاً ؛ لأن من رجع إلى مباشرة الدنيا والحس قلَّ مدده، فيقل انتفاعه، فلا يتبعه إلا القليل. هذه سُنة الله في أوليائه، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٣
قلت : الدلوك : الميل. واشتقاقه من الدَّلْك ؛ لأن من نظر إليها حينئذ يدلك عينه. واللام للتأقيت بمعنى : عند. و ﴿قرآن﴾ : عطف على ﴿الصلاة﴾، أو منصوب بفعل مضمر، أي : اقرأ قرآن لفجر، أو على الإغراء.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿أقم الصلاةَ لدلُوكِ﴾ أي : عند زوال ﴿الشمس﴾، وهو إشارة إلى إقامة الصلوات الخمس، فدلوك الشمس : زوالها ؛ وهو إشارة إلى الظهر والعصر، وغسق الليل : ظلمته، وهو إشارة إلى المغرب والعشاء، ﴿وقرآنَ الفجر﴾ ؛ صلاة الصبح، وإنما عبَّر عن صلاة الصبح بقرآن الفجر ؛ لأن القرآن يُقرأ فيها أكثر من غيرها ؛ لأنها تُصلي بسورتين طويلتين، ثم مدحها بقوله :﴿إِنَّ قرآن الفجر كان مشهودًا﴾ ؛ تشهده ملائكةُ الليل وملائكة النهار، أو : يشهده الجم الغفير من المصلين، أو فيه شواهد القدرة ؛ من تبدل الظلمة بالضياء، والنوم، الذي هو آخو الموت، بالانتباه.


الصفحة التالية
Icon