ثم أمر بقيام الليل فقال :﴿ومن الليل﴾ أي : بعض الليل ﴿فتهجدْ به﴾ أي : اترك الهجود، الذي هو النوم فيه، للصلاة بالقرآن، ﴿نافلةً لك﴾ أي : فريضة زائدة لك على الصلوات الخمس، أو فريضة زائدة لك ؛ لاختصاص وجوبها بك، أو نافلة زائدة لك على الفرائض ؛ غير واجبة. وكأنه، لما أمر بالفرائض، أمر بعدها بالنوافل. وتطوعه - عليه الصلاة والسلام - ؛ لزيادة الدرجات، لا لجبر خلل أو تكفير ذنب ؛ لأنه مغفور
١١٥
له ما تقدم وما تأخر. و " من " : للتبعيض، والضمير في " به " : للقرآن. والتهجد : السهر، وهو : ترك الهجود، أي : النوم. فالتفعل هنا للإزالة ؛ كالتأثم والتحرج، لإزالة الإثم والحرج.
ثم ذكر ثوابه في حقه - عليه الصلاة والسلام - فقال :﴿عسى أنْ يبعثك ربك مقامًا محمودًا﴾ عندك وعند جميع الناس، وهي : الشفاعة العظمى. وفيه تهوين لمشقة قيام الليل. رَوى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :" المَقَام المحمُود هُوَ المَقَامُ الذي أَشْفَعُ فِيهِ لأمَّتِي " وقال ابن عباس رضي الله عنه : مقامًا محمودًا يحمده فيه الأولون والآخرون، ويشرف فيه على جميع الخلائق، يسأل فيُعطى، ويشفع فيُشَفَّع. وعن حذيفة : يُجْمع الناس في صعيد واحد، فلا تتكلم فيه نفس إلا بإذنه، فأول مدعو محمدٌ ﷺ، فيقول :" لبيك وسعديك. والشر ليس إليك، والمَهدي من هديت، وعبدك بين يديك، وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت " ثم يأذن له في الشفاعة. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٥