وقال ابن العربي المعافري في أحكامه : واخْتُلِفَ في وجه كون قيام الليل سببًا للمقام المحمود على قولين، فقيل : إن البارئ تعالى يجعل ما يشاء من فضله سببًا لفضله، من غير معرفة منا بوجه الحكمة. وقيل : إن قيام الليل فيه الخلوة به تعالى، والمناجاة معه دون الناس، فيعطي الخلوة به والمناجاة في القيامة، فيكون مقامًا محمودًا، ويتفاضل فيه الخلق بحسب درجاتهم. وأجلُّهم فيه ؛ درجةً : نبينا محمد ﷺ، فيعطى من المحامد ما لم يُعط قبل، ويُشَفَّع فيَشْفَع. هـ. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي : وقد يقال : إن ذلك مرتب على قوله :﴿أقم الصلاة...﴾ الآية، ولا يخص بقيام الليل، والصلاةُ، مطلقًا مفاتحةٌ للدخول على الله ومناجاةٌ له، ولذلك جاء في حديث الشفاعة افتتاحه بأن " يخر ساجدًا حامدًا، فيؤذن حينئذ بالشفاعة ". ومن تواضع رفعه الله. هـ.
الإشارة : قوم اعتنوا بإقامة صلاة الجوارح، وهم : الصالحون الأبرار، وقوم اعتنوا بإقامة صلاة القلوب، التي هي الصلاة الدائمة، وهم العارفون الكبار، وقوم اعتنوا بسهر الليل في الركوع والسجود، وهم العباد والزهاد والصالحون، أولو الجد والاجتهاد. وقوم اعتنوا بسهره في فكرة العيان والشهود، وهم المقربون عند الملك الودود. الأولون يُوفون أجرهم على التمام بالحور والولدان، والآخرون يُكشف لهم الحجاب ويتمتعون بالنظر على الدوام، الأولون محبون، والآخرون محبوبون، الأولون يشفعون في أقاربهم ومن تعلق بهم، والآخرون قد يشفع واحد منهم في أهل عصره. وما ذلك على الله بعزيز.
١١٦
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٥


الصفحة التالية
Icon