الإشارة : إذا تمكن العارفون من شهود حضرة القدس ومحل الأنس، وصارت معشش قلوبهم ؛ كان نزولهم إلى سماء الحقوق وأرض الحظوظ بالإذن والتمكين، والرسوخ في اليقين. فلم ينزلوا إلى سماء الحقوق بسوء الأدب والغفلة، ولا إلى أرض الحظوظ بالشهوة والمتعة، بل دخلوا في ذلك بالله ولله، ومن الله وإلى الله، كما في الحكم. ثم قال :﴿وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق﴾ ؛ ليكون نظري إلى حولك وقوتك إذا أدخلتني، وانقيادي إليك إذا أخرجتني. ﴿واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا﴾ ينصرني ولا ينصر عليّ، ينصرني على شهود نفسي، حتى أغيب عنها وعن متعتها وهواها، ويفنيني عن دائرة حسي، حتى تتسع عليّ دائرة المعاني عندي، وأفضي إلى فضاء الشهود والعيان، فحينئذ يَزهق الباطل، وهو ما سوى الله، ويجيء الحق، وهو وجود الحق وحده، فأقول حينئذ :﴿وقل جاء الحق وزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كان زهوقًا﴾، وإنما أثبته الوهم والجهل، وإلا فلا ثبوت له ؛ ابتداء وانتهاء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٧
قلت :﴿من﴾ : للبيان، قدمت على المُبيّن ؛ اعتناء، فالقرآن كله شفاء. وقيل : للتبعيض، والمعنى : أن منه ما يشفي من المرض الحسي، كالفاتحة وآية الشفاء، ومن المرض المعنوي، كآيات كثيرة.


الصفحة التالية
Icon