يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ونُنزِّلُ من القرآنِ ما هو شفاءٌ﴾ لما في الصدور، ومن سقام الريب والجهل، وأدواء الأوهام والشكوك، ﴿ورحمة للمؤمنين﴾ به، العالِمين بما احتوى عليه من عجائب الأسرار وغرائب العلوم، المستعملين أفكارهم وقرائحهم في الغوص على درره ويواقيته، أي : وننزل ما هو تقويم دينهم واستصلاح نفوسهم، ورفع الأوهام والشكوك عنهم، كالدواء الشافي للمرض، وعن النبي ﷺ :" من لم يستشف بالقرآن لا شفاه الله " ﴿ولا يزيدُ الظالمين﴾ ؛ الكافرين المكذبين، الواضعين الأشياء في غير محلها، مع كونه في نفسه شفاء من الأسقام، ﴿إلا خسارًا﴾ ؛ إلا هلاكًا بكفرهم وتكذيبهم به. ولا يفسر الخسران هنا بالنقصان ؛ فإن ما بهم من داء الكفر والضلال حقيق بأن يُعبّر عنه بالهلاك، لا بالنقصان المنبئ عن حصول بعض مبادئ الإسلام، فهم في الزيادة في مراتب الهلاك، من حيث إنهم، كلما جدّدوا الكفر والتكذيب بالآيات النازلة ازدادوا بذلك هلاكًا.
١١٨
وفيه إيماء إلى أن ما بالمؤمنين من الشُّبَه والشكوك المعترية لهم في أثناء الاهتداء والاسترشاد، بمنزلة الأمراض، وما بالكفرة ؛ من الجهل والعناد بمنزلة الموت والهلاك، وإسناد زيادة الخسران إلى القرآن، مع أنهم هم المزدادون في ذلك بسوء صنيعهم ؛ باعتبار كونه سببًا لذلك، حيث كذَّبوا به، وفيه تعجيب من أمره ؛ حيث جعله مدار الشفاء والهلاك. قاله أبو السعود.


الصفحة التالية
Icon