الإشارة : لا يحصل الاستشفاء بالقرآن إلا بعد التصفية والتطهير للقلب، بالتخلية والتحلية، على يد شيخ كامل، عارف بأدواء النفوس، حتى يتفرغ القلب من الأغيار والأكدار، ويذهب عنه وساوس النفوس وخواطر القلوب ؛ ليتفرغ لسماع القرآن والتدبر في معانيه. وأما إن كان القلب محشوًا بصور الأكوان، مصروفًا إلى الخواطر والأغيار، لا يذوق له حلاوة، ولا يدري ما يقول، فلا يهتدي لما فيه من الشفاء، إذ لا يستشفي بالقرآن إلا من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ولأجل ذلك كان من شأن شيوخ التربية أن يأمروا المريد بالذكر المجرد، حتى تُشرق عليه أنواره، وتذهب به عنه أغياره. وحينئذ يأمره بتلاوة القرآن ؛ ليذوق حلاوته، فإذا كمل تطهيره، تمتع بحلاوة شهود المتكلم، فيسمعه من الحق بلا واسطة، وهو المراد بالرحمة المذكورة بعد الشفاء. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٨
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وإٍذا أنعمنا على الإِنسان﴾ : بالصحة والعافية والنعمة، ﴿أعرضَ﴾ عن ذكرنا، فضلاً عن القيام بالشكر، ﴿ونَأى﴾ أي : تباعد ﴿بجانبه﴾ ؛ لوى عطفه وبعد بنفسه. فالنأي بالجانب : أن يلوي عن الشيء عِطفَه ويوليه عُرض وجهه، فهو تأكيد للإعراض. أو عبارة عن التكبر ؛ لأنه من ديدن المستكبرين، ﴿وإِذا مسَّه الشرُّ﴾ ؛ من فقر، أو مرض، أو نازلة من النوازل، ﴿كان يؤوسًا﴾ ؛ شديد اليأس من روحنا وفرجنا. وفي إسناد المسِّ إلى الشر، بعد إسناد الإنعام إلى ضمير الجلالة ؛ إيذان بأن الخير مراد بالذات، والشر ليس كذلك. وهذا الوصف المذكور هنا هو وصف للإنسان باعتبار بعض أفراده ممن هو على هذا الوصف، ولا ينافيه قوله تعالى :﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ﴾ [فُصّلَت : ٥١]، ونظائره ؛ فإن ذلك في نوع آخر من جنس الإنسان. وقيل : أريد به الوليد بن المغيرة.
١١٩


الصفحة التالية
Icon