قال تعالى :﴿قُل كلٌّ﴾ أي : كل واحد منكم وممن هو على خلافكم ﴿يعملُ على شاكلته﴾ ؛ على طريقته التي تُشاكل حاله من الهُدى والضلالة، ﴿فربُّكم أعلم بمن هو أَهدى سبيلاً﴾ أي : فربكم، الذي يراكم على هذه الأحوال والطرق، أعلم بمن هو أسَدْ طريقًا وأبين منهاجًا. وقد فسرت الشاكلة أيضًا بالطبيعة والعادة والدين والنية. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ينبغي للمؤمن المشفق على نفسه أن يمعن النظر في كلام سيده، فإذا وجده مدَحَ قومًا بعمل، بادر إلى فعله، أو بوصف، بادر إلى التخلق به، وإذا وجده ذم قومًا، بسبب عمل، تباعد عنه جهده، أو بوصف تطهر منه بالكلية. وقد ذم الحق تعالى هنا من بطر بالنعمة وغفل عن القيام بشكرها، ومن جزع عند المصيبة وأيس من ذهابها، فليكن المؤمن على عكس هذا، فإذا أصابته مصيبة أو بلية تضرع إلى مولاه، ورجى فضله ونواله، وإذا أصابته نعمة دنيوية أو دينية أكثر من شكرها، وشهد المنعم بها في أخذها وصرفها، ولا سيما نعمة الإيمان والمعرفة، وتصفية الروح من غبش الحس والوهم، حتى ترجع لأصلها، الذي هو سر من أسرار الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٩
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ويسألونك عن الروح﴾ أي : عن حقيقة الروح، الذي هو مدبر البدن الإنساني، ومبدأ حياته. رُوي أن اليهود قالوا لقريش : سلوه عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح، فإن أجاب عنها كلها أو سكت فليس بنبي، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي. فبيَّن لهم القصتين وأبهم أمر الروح، وهو مبهم في التوراة، فقال :﴿قل الروح من أمر ربي﴾، أظهر في مقام الإضمار ؛ إظهارًا لكمال الاعتناء بشرفه، أي : هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأسرار الخفية، التي لا يكاد يحوم حولها عقولُ البشر. ﴿وما أُوتيتم من العلم إِلا قليلاً﴾ لا يمكن تعلقه بأمثال هذه الأسرار.


الصفحة التالية
Icon