رُوِيَ أنه ﷺ لما قال لهم ذلك، قالوا : نحن مختصون بهذا الخطاب، قال عليه الصلاة والسلام :" بل نحن وأنتم ". فقالوا : ما أعجب شأنك، ساعة تقول :﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [البَقَرَة : ٢٦٩]، وتارة تقول هذا، فنزلت :﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي﴾ [الكهف : ١٠٩] الآية. ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ...﴾ [لقمان : ٢٧] الآية. وهذا من ركاكة عقولهم ؛ فإن من الحكمة الإنسانية أن يعلم من الخير ما تسعه الطاقة البشرية، بل ما نيط به المعاش والمعاد، وذلك بالإضافة إلى ما لا نهاية له من متعلقات علمه سبحانه، قليل ينال به خير : كثير في نفسه.
١٢٠
وقال ابن حجر : أخرج الطبراني عن ابن عباس أنهم قالوا : أخبرنا عن الروح، وكيف تُعذب الروح في الجسد، وإنما الروح من الله ؟. هـ. قلت : يُجاب بأنها لما برزت لعالم الشهادة لحقتها العبودية، وأحاطت به القهرية. وقال القشيري : أرادوا أن يُغالطُوه فيما به يجيب، فأمَرَه أن ينطق بأمرٍ يُفْصِحُ عن أقسامِ الروح، لأنَّ ما يُطْلَقُ عليه لفظ " الروح " يدخل تحت قوله :﴿قل الروح من أمر ربي﴾، ثم قال : وفي الجملة : الروح مخلوقة، والحق أجرى العادة بأن يخلق الحياة للعبد، ما دام الروح في جسده، والروح لطيفة تَقرب للكثافة في طهارتها ولطافتها. وهي مخلوقة قبل الأجساد بألوفٍ من السنين. وقيل : إن أدركها التكليف، كان للروح صفاء التسبيح، ضياء المواصلة، ويُمن التعريف بالحق. هـ. وقيل : المراد بالروح خلق عظيم روحاني من أعظم الملائكة، وقيل جبريل عليه السلام، وقيل : القرآن. ومعنى ﴿من أمر ربي﴾ ؛ من وحيه وكلامه، لا من كلام البشر. والله تعالى أعلم بمراده.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٠


الصفحة التالية
Icon