يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَا لي وَلاَ حَرَمُ
و ﴿إلا كفورًا﴾ : استثناء مفرغ منصوب بأَبَى ؛ لأنه في معنى النفي، أي : ما رضي أكثرهم إلا الكفر به.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولئنْ شئنا لنَذْهَبَنَّ بالذي أوْحَينا إِليك﴾ أي : بالقرآن الذي هو منبع العلوم التي أُوتيتموها، ومقتبس الأنوار، فلا يبقى عندكم من العلم إلا قليلاً. والمراد بالإذهاب : المحو من المصاحف والصدور. وعن ابن مسعود رضي الله عنه :(أول ما تفقدون من دينكم : الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة، وليصلين قوم ولا دين لهم. وإن هذا القرآن تصبحون يومًا وما فيكم منه شيء. فقال رجل : كيف ذلك، وقد أثبتناه في قلوبنا، ودونّاه في مصاحفنا، وعلمناه أبناءنا، وأبناؤنا يعلمه أبناءهم ؟ ! فقال : يسري عليه، ليلاً، فيُصبح الناس منه فقراء، ترفع المصاحف، وينزع ما في القلوب). ﴿ثم﴾ إن رفعناه ﴿لا تجدُ لك به﴾ أي : القرآن ﴿علينا وكيلاً﴾ أي : من يتوكل علينا استرداده مسطورًا محفوظًا، ﴿إلا رحمةً من ربك﴾ ؛ فإنها إن تأتك لعلها تسترده، أو : لكن رحمة من ربك أمسكته ؛ فلم يذهب. ﴿إِنَّ فضله كان عليك كبيرًا﴾، كإرْسالك للناس كافة، وإنزال الكتاب عليك، وإنعامه في حفظك، وغير ذلك مما لا يحصى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٢
ثم نوّه بقدر الكتاب الذي أنزله فقال :﴿قل لئن اجتمعت الإِنسُ والجِنُّ﴾، واتفقوا ﴿على أن يأتوا بمثْلِ هذا القرآنِ﴾ المنعوت بما لا تدركه العقول من النعوت الجليلة في البلاغة، وحسن النظم، وكمال المعنى، ﴿لا يأتون بِمثله﴾ أبدًا ؛ لما تضمنه من العلوم الإلهية، والبراهين الواضحة، والمعاني العجيبة، التي لم يكن لأحد بها علم، ثم جاءت فيه على الكمال، ولذلك عجزوا عن معارضته. وقال أكثر الناس : إنما عجزوا عنه ؛ لفصاحته، وبراعته، وحسن نظمه. ووجوه إعجازه كثيرة. وإنما خص الثقلين بالذكر، لأن
١٢٣


الصفحة التالية
Icon