قال تعالى لنبيه - عليه الصلاة والسلام - :﴿قلْ﴾ ؛ تعجبًا من شدة شكيمتهم. وفي رواية " قال " :﴿سبحان ربي﴾ ؛ تنزيهًا له من أن يتحكم عليه أو يشاركه أحد في قدرته. أو تنزيهًا لساحته - سبحانه - عما لا يليق بها، من مِثل هذه الاقتراحات الشنيعة، التي تكاد السماوات يتفطرن منها، أو عن طلب ذلك، تنبيهًا على بطلان ما قالوه، ﴿هل كنتُ إِلا بشرًا﴾ لا مَلَكًا، حتى يتصور مني الرقي في السماء ونحوه، ﴿رسولاً﴾ ؛ مأمورًا من قِبل ربي بتبليغ الرسالة، كسائر الرسل. وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله على أيديهم، حسبما يلائم حال قومهم، ولم يكن أمر الآيات إليهم، ولا لهم أن يتحكموا على ربهم بشيء منها.
﴿وما مَنَعَ الناسَ﴾ أي : الذين حكِيتْ أباطيلهم، ﴿أنْ يُؤمنوا إِذ جاءهم الهُدى﴾ أي : الوحي، وهو ظرف لمنع، أو يؤمنوا، أي : وما منعهم وقت مجيء الوحي المقرون بالمعجزات المستدعية للإيمان، أن يؤمنوا بالقرآن وبنبوتك، ﴿إلا أن قالوا﴾ أي : إلا قولهم :﴿أَبَعثَ اللهُ بشرًا رسولاً﴾، منكرين أن يكون الرسول من جنس البشر. وليس المراد أن هذا القول صدر من بعضهم ؛ فمنع بعضًا آخر منهم، بل المانع هو الاعتقاد الشامل للكل، المستتبع بهذا المقول منهم. وإنما عبَّر عنه بالقول ؛ إيذانًا بأنه مجرد قول يقولونه بأفواههم من غير روية، ولا مصداق له في الخارج. وقصر المانع من الإيمان فيما ذكر، مع أن لهم موانع شتى، إما لأنه معظمها، أو لأنه المانع بحسب الحال، أعني : عند سماع الجواب بقوله تعالى :﴿هل كنتُ إِلا بشرًا رسولاً﴾ ؛ إذ هو الذي يتشبثون به حينئذ، من غير أن يخطر ببالهم شبهة أخرى من شبههم الواهية.


الصفحة التالية
Icon