﴿قلْ﴾ لهم من قِبَلنا ؛ تثبيتًا للحكمة، وتحقيقًا للحق المزيح للريب :﴿لو كان﴾ أي : لو وُجد واستقر ﴿في الأرض﴾ ؛ بدل البشر ﴿ملائكةً يمشونَ مطمئنين﴾ قارين ساكنين فيها، ﴿لنزَّلنا عليهم من السماء مَلكًا رسولاً﴾ يهديهم إلى الحق ؛ لتمكنهم من الاجتماع به والتلقي منه. وأما عامة البشر فهم بمعزل من استحقاق المفاوضة مع الملائكة ؛ لأنها منوطة بالتناسُب والتجانس، فبعث الملائكة إليهم مناقض للحكمة التي يدور عليها أمر التكوين والتشريع. وإنما يبعث الملك إلى الخواص، المختصين بالنفوس الزكية، المؤيدة بالقوة القدسية، فيتلقون منهم ويُبلغون إلى البشر.
﴿قل كفى بالله﴾ وحده ﴿شهيدًا﴾ على أني أديتُ ما عليَّ من مواجب الرسالة، وأنكم فعلتم ما فعلتم من التكذيب والعناد. فهو شهيد ﴿بيني وبينكم﴾، وكفى به شهيدًا، ولم يقل : بيننا ؛ تحقيقًا للمفارقة، وإبانة للمباينة، ﴿إِنه كان بعباده﴾ من الرسل والمرسل إليهم، ﴿خبيرًا بصيرًا﴾ ؛ محيطًا بظواهر أعمالهم وبواطنها، فيجازيهم على ذلك. وهو
١٢٦
تعليل للكفاية. وفيه تسلية للرسول - عليه الصلاة والسلام - وتهديد للكفار، والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٤
الإشارة : طلب الكرامات من الأولياء جهل بطريق الولاية، وسوء الظن بهم، إذ لا يشترط في تحقيق الولاية ظهور الكرامة، وأيُّ كرامة أعظم من كشف الحجاب بينهم وبين محبوبهم، حتى عاينوه وشاهدوه حقًا، وارتفعت عنهم الشكوك والأوهام، وصار شهود الحق عندهم ضروريًا، ووجود السِّوَى محالاً ضروريًا، فلا كرامة أعظم من هذه ؟ وكلامنا مع العارفين، وأما الصالحون والعباد والزهاد فهم محتاجون إلى الكرامة ؛ ليزداد إيقانهم، وتطمئن نفوسهم ؛ إذ لم يرتفع عنهم الحجاب، ولم تنقشع عنهم سحابة الأثر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٤


الصفحة التالية
Icon