قلت :﴿على وجوههم﴾ : حال من ضمير " نحشرهم ". و ﴿عُميًا﴾ الخ : حال أيضًا من ضمير " وجوههم ". و ﴿مأواهم﴾ : استئناف، وكذا :﴿كلما﴾ الخ.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ومَن يَهدِ اللهُ﴾ إلى الحق الذي جاء من قبله على أيدي الرسل، ﴿فهو المهتد﴾ إليه، وإلى ما يؤدي إليه من الثواب، أو فهو المهتدي إلى كل مطلوب، ﴿ومن يُضلل﴾ أي : يخلق فيه الضلال، كهؤلاء المعاندين، ﴿فلن تجد لهم أولياء من دونه﴾ ينصرونهم من عذابه، أو يُهدونهم إلى طريقه، ويُوصلونهم إلى مطالبهم الدنيوية والأخروية. ووحد الضمير أولاً في قوله :﴿فهو المهتد﴾ : مراعاة للفظ " من "، وجمع ثانيًا في ﴿لهم﴾ ؛ مراعاة لمعناها : تلويحًا بوحدة طريق الحق، وتعدد طرق الضلال.
﴿ونحشرُهم﴾، فيه التفات من الغيبة إلى التكلم ؛ إيذانًا بكمال الاعتناء بأمر الحشر، أي : ونسوقهم ﴿يوم القيامة على وجوههم﴾ أي : كابين عليها ؛ سَحْبًا، كقوله ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىا وُجُوهِهِمْ﴾ [القمر : ٤٨]، أو : مشيًا إلى المحشر بعد القيام، فقد رُوي أنه قيل لرسول الله ﷺ : كيف يمشون على وجوههم ؟ قال :" الذِي أمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ " حال كونهم ﴿عُمْيًا وبُكمًا وصُمًّا﴾ ؛ لا يُبصرون
١٢٧
ما يقر أعينهم، ولا ينطقون بما يُقبل منهم، ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم، لمَّا كانوا في الدنيا لا يستبصرون بالآيات والعبر، ولا ينطقون بالحق ولا يستمعونه. ويجوز أن يُحشروا، بعد الحساب، من الموقف إلى النار، مَؤُوفي القوى والحواس. وأن يُحشروا كذلك، ثم تعاد إليهم قواهم وحواسهم، فإنَّ إدراكاتهم بهذه المشاعر في بعض المواطن مما لا ريب فيه.


الصفحة التالية
Icon