﴿وقرآنًا فَرَقْنَاهُ﴾ أي : أنزلناه مفرقًا منجمًا في عشرين سنة، أو ثلاث وعشرين. قال القشيري : فرَق القرآن ؛ ليهون حفظه، ويكثر تردد الرسول عليه من ربه، وليكون نزوله في كل وقت، وفي كل حادثة وواقعة ؛ دليلاً على أنه ليس مما أعانه عليه غيره. هـ. ﴿لتقرأه على الناس على مُكْثٍ﴾ ؛ على مهلٍ وتؤدة وتثبتٍ ؛ فإنه أيسر للحفظ، وأعون على الفهم، ﴿ونزلناه تنزيلاً﴾ على حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة، والحوادث الواقعة.
﴿قل﴾ للذين كفروا :﴿آمِنُوا به أو لا تُؤمنوا﴾، فإنَّ إيمانكم لا يزيده كمالاً، وامتناعكم منه لا يزيده نقصانًا. أو : أُمِرَ باحتقارهم وعدم الاكتراث بهم، كأنه يقول : سواء آمنتم به أو لم تؤمنوا ؛ لأنكم لستم بحجة، وإنما الحجة لأهل العلم، وهم : المؤمنون من أهل الكتاب، الذين أشار إليهم بقوله :﴿إِن الذين أُوتوا العلم من قَبْلِهِ﴾ أي : العلماء الذين قرأوا الكتب السالفة من قبل تنزيله، وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوة، وتمكنوا من التمييز بين الحق والباطل، والمحق والمبطل، ﴿إِذا يُتلى عليهم﴾
١٣٢
القرآن ﴿يَخرُّون للأذقانِ﴾ أي : يسقطون على وجوههم ﴿سُجَّدًا﴾ ؛ تعظيمًا لأمر الله، أو شكرًا لإنجازه ما وعد في تلك الكتب ؛ من نعتك، وإظهارك، وإنزال القرآن عليك. والأذقان : جمع ذقن، وهو : أسفل الوجه حيث اللحية. وخصها بالذكر ؛ لأنها أول ما تلقى في الأرض من وجه الساجد. والجملة : تعليل لما قبلها من قوله :﴿آمِنُوا به أو لا تؤمنوا﴾ ؛ من عدم المبالاة. والمعنى : إن لم تؤمنوا فقد آمن منْ هو أعلى منكم وأحسن إيمانًا منكم. ويجوز أن يكون تعليلاً لقُل، على سبيل التسلية للرسول - عليه الصلاة والسلام -، كأنه يقول : تسلّ بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة، ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٢


الصفحة التالية
Icon