ويقولون} في سجودهم :﴿سبحان ربِّنا﴾ عن خلْف وعده ؛ ﴿إِن كان وعْدُ ربنا لمفعولاً﴾ أي : إن الأمر والشأن كان وعد ربنا مفعولاً لا محالة، ﴿ويَخِرُّون للأذقانِ﴾ كرره ؛ لاختلاف السبب، فإن الأول : لتعظيم الله وشكر إنجاز وعده. والثاني : لِمَا أثر فيهم من مواعظ القرآن، ﴿يَبْكُونَ﴾ : حال، أي : حال كونهم باكين من خشية الله، ﴿ويزيدهم﴾ القرآنُ ﴿خشوعًا﴾، كما يزيدهم علمًا بالله تعالى.
الإشارة : وبالحق أنزلناه، أي بالتعريف بأسرار الربوبية، وبالحق نزل ؛ لتعليم آداب العبودية. أو : بالحق أنزلناه، يعني : علم الحقيقة، وبالحق نزل علم الشريعة والطريقة. وما أرسلناك إلا مبشرًا لأهل الإخلاص بالوصول والاختصاص، ونذيرًا لأهل الخوض بالطرد والبعد. وقرآنا فرقناه، لتقرأه نيابة عنا، كي يسمعوه منا بلا واسطة، عند فناء الرسوم والأشكال، ونزّلناه، للتعريف بنا تنزيلاً، قل آمنوا به ؛ لتدخلوا حضرتنا، أو لا تؤمنوا، فإن أهل العلم بنا قائمون بحقه، خاشعون عند تلاوته، متنعمون بشهودنا عند سماعه منا. وبالله التوفيق.
ولما كان القرآن مشتملاً على أسماء كثيرة من أسماء الله الحسنى، وكان عليه الصلاة والسلام يقول في دعائه :" يا الله، يا رحمن "، قالوا : إنه ينهانا عن عبادة إليهن، وهو يدعو إلهًا آخر. وقالت اليهود : إنك لتُقل ذكر الرحمن، وقد أكثر الله تعالى ذكره في التوراة، فأنزل الله ردًا على الفريقين.
﴿قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـانَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَآءَ الْحُسْنَىا...﴾ قلت :" أي " شرطية، و ﴿ما﴾ : زائدة ؛ تأكيدًا لما في " أيًّا " من الإبهام، وتقدير المضاف : أيَّ الأسماء تدعو به فأنت مُصيب.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قُلْ﴾ يا ممد للمؤمنين :﴿ادعوا الله أو ادعوا الرحمن﴾ ؛ نادوه بأيهما شئتم، أو سموه بأيهما أردتم. والمراد : إما التسوية بين
١٣٣


الصفحة التالية
Icon