أو : ما لهم علم بحقيقة ما قالوا، وبعِظَم رتبته في الشناعة، كقوله تعالى :﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَـانُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ﴾ [مريَم : ٨٨-٩٠]، وهو الأنسب لقوله :﴿كَبُرتْ كلمةٌ﴾ أي : عظمت مقالتهم هذه في الكفر والافتراء ؛ لما فيها من نسبته سبحانه إلى ما لا يكاد يليق بجناب كبريائه ؛ لما فيه من التشبيه والتشريك، وإيهام احتياجه تعالى إلى ولد يُعينه ويخلفه. فما أقبحها مقالة ﴿تخرج من أفواههم﴾ أي : يتفوهون بها من غير حقيقة ولا تحقيق لمعناها، ﴿إن يقولون إِلا كذبًا﴾ : ما يقولون في ذلك إلا قولاً كذبًا، لا يكاد يدخل فيه إمكان الصدق أصلاً.
الإشارة : من كملت عبوديته لله، وصار حُرًّا مما سواه، بحيث تحرر من رق الأكوان، وأفضى إلى مقام الشهود والعيان، أنزل الله على قلبه علم التحقيق، وسلك به منهاج أهل التوفيق، منهاجًا قيمًا، لا إفراط فيه ولا تفريط، محفوظًا في باطنه من الزيغ والإلحاد، وفي ظاهره من الفساد والعناد، قد تولى الله أمره وأخذه عنه، فهو على بينة من ربه فيما يأخذ ويذر. فإن أَذِنَ له في التذكير وقع في مسامع الخلق عبارتُه، وجليت إليهم إشارته، فبَشَّر وأنذر، ورغّب وحذّر، يُبشر أهل التوحيد والتنزيه بنعيم الجنان، وبالنظر إلى وجه الرحمن، ويُنذر أهل الشرك بعذاب النيران، وبالذل والهوان، نعوذ بالله من موارد الفتن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٧
قلت :﴿أسفًا﴾ : مفعول من أجله لباخع، أو حال، أي : متأسفًا، وجواب " إن " : محذوف، أي : إن لم يؤمنوا فعلك باخع نفسك.