يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿فلعلك﴾ يا محمد ﴿باخعٌ﴾ : مهلك ﴿نفسَك﴾ وقاتلها بالغم والأسف على تخلف قومك عن الإيمان وفراقهم عنك، ﴿على آثارهم﴾ إذا تولوا عنك، عندما تدعوهم إلى الله. شبهه، لأجل ما تداخله من الوجد على توليتهم، بمن فارقته أعزته، وهو يتحسر على آثارهم، ويبخع نفسه وجدًا عليهم. ﴿إِن لم يُؤمنوا بهذا الحديث﴾ أي : القرآن الذي عبّر عنه في صدر السورة بالكتاب، صدر ذلك منك ﴿أسفًا﴾ أي : بفرط الحزن والتأسف عليهم.
١٣٩
ثم علّل وجه إدبارهم عن الإيمان، وهو اغترارهم بزهرة الدنيا، فقال :﴿إِنا جعلنا ما على الأرض﴾ ؛ من الأشجار والأزهار والثمار، وما اشتملت عليه من المعادن، وأنواع الملابس والمطاعم، والمراكب والمناكح، ﴿زينةً لها﴾ أي : مبهجة لها، يستمتع بها الناظرون، وينتفعون بها مأكلاً وملبسًا، ونظرًا واعتبارًا، حتى إن الحيّات والعقارب ؛ من حيث تذكيرها بعذاب الآخرة، من قبيل المنافع، بل كل حادث داخل تحت الزينة من حيثُ دلالته على الصانع، وكذلك الأزواج والأولاد، بل هم من أعظم زينتها، داخلون تحت الابتلاء. جعلنا ذلك ﴿لنبلوهم﴾ : لنختبرهم، حتى يظهر ذلك للعيان، ﴿أيُّهم أحسنُ عملاً﴾، أيهم أزهد فيها، وأقبلهم على الله بالعمل الصالح ؛ إذ لا عمل أحسن من الزهد في الدنيا ؛ إذ هو سبب للتفرغ لأنواع العبادة، بدنية وقلبية.
قال أبو السعود : وحسن العمل : الزهد فيها، وعدم الاكتراث بها، والقناعة باليسير منها، وصرفها على ما ينبغي، والتأمل في شأنها، وجعلها ذريعة إلى معرفة خالقها، والتمتع بها حسبما أذن الشرع، وأداء حقوقها، والشكر على نعمها، لا جعْلها وسيلة إلى الشهوات، والأغراض الفاسدة، كما يفعله الكفرة وأهل الأهواء... انظر بقية كلامه.


الصفحة التالية
Icon