﴿فَضَرَبْنَا على آذانهم﴾ أي : أَنَمْنَاهُمْ، شبَّه الإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها، وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها في الحَجْب عن الشعور عند النوم ؛ لأنها تحتاج إلى الحجب أكثر، إذ هي الطريقة للتيقظ غالبًا. والفاء في ﴿فضربنا﴾ : مثلها في قوله :﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ [الأنبياء : ٩٠]، بعد قوله :﴿إِذ نادى﴾، فإنَّ الضرب المذكور، وما ترتب عليه من التقليب ذات اليمين وذات الشمال، والبعث، وغير ذلك، إيتاءُ رحمةٍ لَدُنِّيَّةٍ خفيةٍ عن أبصار المستمسكين بالأسباب العادية ؛ استجابة لدعوتهم، أي : فاستجبنا لهم وأَنَمْناهم، ﴿في الكهف
١٤٢
سنينَ عددًا﴾ أي : ذوات عدد، أو تُعَدُّ عددًا، أو معدودة، ووصْف السنين بذلك : إمَّا للتكثير، وهو الأنسب بكمال القدرة، أو التقليل، وهو الأليق بمقام إنكار كون القصة عجبًا من سائر الآيات العجيبة ؛ فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده تعالى.
﴿ثم بعثناهم﴾ ؛ أيقظناهم من تلك النومة الشبيهة بالموت، ﴿لنعْلَمَ﴾ علم مشاهدة، أي : ليتعلق علمنا تعلقًا حاليًّا كتعلقة أولاً تعلقًا استقباليًّا، ﴿أيُّ الحزبين﴾ : الفريقين المختلفين في مدة لبثهم المذكور في قوله :﴿قالوا لبثنا يومًا...﴾ الخ، ﴿أحْصَى﴾ أي : أضبط ﴿لِما لَبِثُوا﴾ : للبثهم، ﴿أمدًا﴾ أي : غاية، فيظهر بذلك عجزهم، ويُفوضوا ذلك إلى العليم الخبير، ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم، من حفظ أبدانهم وأديانهم، فيزدادوا يقينًا بكمال قدرته وعلمه، وليتيقنوا به أمر البعث، ويكون ذلك لطفًا بمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفارهم، وعبرةً لمن يأتي بعدهم، فهذه حِكَمُ إيقاظهم بعد نومهم، والله عليم حكيم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤١