وخبرهم، حسبما ذكر محمد بن إسحاق : أنه قد مرج أهل الإنجيل، وظهرت فيهم الخطايا، وطغت ملوكهم، فعبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت، وكان مَنْ بَالَغَ في ذلك وعتا عتوًا كبيرًا :" دقيانوس " ؛ فإنه غلا فيه غلوًا كبيرًا، فجاس خلال الديار والبلاد ؛ بالعبث والفساد، وقتل من خالفه ممن تمسك بدين المسيح، وكان يتتبع الناس فيُخيرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان، فمن رغب في الحياة الدنيا الدنية : تبعه وصنع ما يصنع، ومن آثر عليها الحياة الأبدية : قتله وقطع آرابه، وعلّقها بسور المدينة وأبوابها. فلما رأى الفتيةُ ذلك، وكانوا عظماء مدينتهم، وكانوا بني الملوك، قاموا فتضرعوا إلى الله تعالى، واشتغلوا بالصلاة والدعاء، فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم أعوان الجبار، فأحضروهم بين يديه، فقال لهم ما قال، فخيَّرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان، فقالوا : إن لنا إلهًا ملأ السماواتِ والأرض عظمةً وجبروتًا، لن ندعو من دونه أحدًا، ولن نُقر بما تدعونا إليه أبدًا، فاقض ما أنت قاض، فأمر بنزع ما عليهم من الثياب الفاخرة، وأخرجهم من عنده. زاد في رواية : وضمنهم أهلهم، وخرج إلى مدينة (نينوى) ؛ لبعض شأنه، وأمهلهم إلى رجوعه ؛ ليتأملوا في أمرهم، وإلاَّ فعل بهم ما فعل بسائر المسلمين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣


الصفحة التالية
Icon