فأجمعت الفتيةُ على الفرار والالتجاء إلى الكهف الحصين، فأخذ كلٍّ منهم من بيت أبيه شيئًا، فتصدقوا ببعضه، وتزودوا بالباقي، فأَوَوْا إلى الكهف. وفي رواية : أنهم مروا بكلب فتبعهم، على ما يأتي في شأنه، فجعلوا يُصَلُّون في ذلك الكهف آناء الليل وأطراف النهار، ويبتهلون إلى الله - سبحانه - بالأنين والجُؤَار، ففوضوا أمر نفقتهم إلى " يمليخا "، فكان إذا أصبح يضع عنه ثيابه الحسان، ويلبس ثياب المساكين، ويدخل المدينة ويشتري ما يهمهم، ويتحسس ما فيها من الأخبار، ويعود إلى أصحابه، فلبثوا على ذلك إلى أن قَدِم الجبارُ المدينةَ فطلبهم، وأحضر آباءهم، فاعتذروا بأنهم عَصَوْهم ونهبوا أموالهم، وبذروها في الأسواق، وفروا إلى الجبل. فلما رأى " يمليخا " ما رأى من الشر رجع إلى أصحابه وهو يبكي، ومعه قليل من الزاد، فأخبرهم بما شهد من الهول، ففزعوا إلى الله - عزّ وجلّ - وخروا له سُجدًا، ثم رفعوا رؤوسهم وجلسوا يتحدثون في أمرهم، فبينما هم كذلك إذ ضرب الله على آذانهم فناموا، ونفقتُهم عند رؤوسهم. فخرج " دقيانوس " في طلبهم بخيله ورَجله، فوجدهم قد دخلوا الكهف، فأمر بإخراجهم فلم يُطق أحدٌ منهم أن يَدخله، فلما ضاق بهم ذرعًا،
١٤٤
قال قائل منهم : أليس لو كنتَ قدرتَ عليهم قتلتهم ؟ قال : بلى. قال : فابْنِ عليهم باب الكهف وَدَعْهم يموتوا ؛ جُوعًا وعَطَشًا، ففعل فكان شأنهم ما قص الله تعالى، إذ قال :


الصفحة التالية
Icon