﴿إِنهم فتيةٌ﴾، استئناف بياني، كأن سائلاً سأل عن حالهم، فقال : إنهم فتية شبان كاملون في الفتوة ﴿آمنوا بربهم﴾، فيه التفات إلى ذكر الربوبية التي اقتضت تربيتهم وحفظهم، ﴿وزدناهم هُدىً﴾ ؛ بأن ثبَّتناهم على ما كانوا عليه، وأظهرنا لهم من مكنونات محاسننا ما آثروا به الفناء على البقاء. وفيه التفات إلى التكلم ؛ لزيادة الاعتناء بشأنهم، ﴿وربطنا على قلوبهم﴾ أي : قويناهم، حتى اقتحموا مضايق الصبر على هجر الأهل والأوطان، والنعيم والإخوان، واجترأوا على الصدع بالحق من غير خوف ولا حذر، والرد على دقيانوس الجبار ؛ ﴿إِذْ قاموا﴾ أي : انتصبوا لإظهار شعار الدين، قال مجاهد : خرجوا من المدينة فاجتمعوا على غير ميعاد. فقال أكبرهم : إني لأجد في نفسي شيئًا، إن ربي هو رب السماوات والأرض، فقالوا : نحن أيضًا كذلك، فقاموا جميعًا ﴿فقالوا ربُنا ربُّ السماواتِ والأرضِ﴾، وعزموا على التصميم بذلك. وقيل : قاموا بين يدي الجبار من غير مبالاة به، حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام، فحينئذ يكون ما سيأتي من قوله تعالى :﴿هؤلاء...﴾ الخ : منقطعًا صادرًا عنهم، بعد خروجهم من عنده.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣
ثم قالوا :﴿لن ندعوَ من دونه إِلهًا﴾، لا استقلالاً ولا اشتراكًا، ولم يقولوا : ربًا ؛ للتصميم على الرد على المخالفين، حيث كانوا يُسمون أصنامهم آلهة، وللإشعار بأن مدار العبودية على وصف الألوهية. ﴿لقد قُلنا إِذًا شَطَطًا﴾ : قولاً ذا شطط، وهو الجور والتعدي، أي : لقد جُرنا وأفرطنا في الكفر، وقلنا قولاً خارجًا عن حد المعقول، إنْ دعونا إلهًا غير الله جَزْمًا. ﴿هؤلاء قومُنَا﴾ قد ﴿اتخذوا من دون آلهةً﴾، فيه معنى الإنكار، ﴿لولا﴾ : هلا ﴿يأتونَ عليهم﴾ : على ألوهيتهم ﴿بسلطان بَيِّن﴾ : بحجة ظاهرة، ﴿فمن أظلمُ﴾ أي : لا أحد أظلم ﴿ممن افترى على الله كذبًا﴾ بنسبة الشريك إليه ؛ فإنه أظلم من كل ظالم.