﴿وإذ اعتزلتموهم﴾ أي : فارقتموهم ﴿و﴾ فارقتم ﴿ما يعبدون إِلا الله فَأْووا إِلى الكهف﴾ : فالتجئوا إليه، والمعنى : وإذا اعتزلتموهم اعتزالاً اعتقاديًا فاعتزلوهم اعتزالاً جسمانيًا، ﴿ينشرْ لكم ربٌُّكم﴾ : يبسط لكم ويوسع عليكم ﴿من رحمته﴾ في الدارين، ﴿ويهيئْ لكم من أمركم﴾ الذي أنتم بصدده من الفرار بالدين، ﴿مِرْفَقًا﴾ : ما ترتفقون به، أي : تنتفعون، وجزمهم بذلك ؛ لنصوع يقينهم، وقوة وثوقهم بفضل الله. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد وصف الله - تعالى - أهلَ الكهف بخمسة أوصاف هي من شعار الصوفية ؛ الإيمان، الذي هو الأساس، وزيادة الاهتداء بتربية الإيقان إلى الوصول إلى
١٤٥
صريح العرفان، وربط القلب في حضرة الرب، والقيام في إظهار الحق أو لداعي الوجد، والصدع بالحق من غير مبالاة بأحد من الخلق.
وقال الورتجبي في قوله تعالى :﴿وزدناهم هُدىً﴾ : أي : زدناهم نورًا من جمالي، فاهتدوا به طرق معارف ذاتي وصفاتي، وذلك النور لهم على مزيد الوضوح إلى الأبد ؛ لأن نوري لا نهاية له. وقال عند قوله :﴿إِذ قاموا﴾ : قد استدل بهذه الآية بعضُ المشايخ على حركة الواجدين في وقت السماع والذكر ؛ لأن القلوب إذا كانت مربوطة بالملكوت ومحل القدس حرَّكها أنواعُ الأذكار وما يَرِد عليها من فنون السماع. والأصل قوله :﴿وربطنا على قلوبهم إِذ قاموا﴾، نعم هذا المعنى إذا كان القيام قيامًا بالصورة، أي : الحسية في القيام الحسي، وإذا كان القيام من جهة الحفظ والرعاية، والربط من جهة النقل من محل التلوين إلى محل التمكين، فالاستدلال بها في السكون في الوجد أحسن، إذا كان الربط بمعنى التسكين والقيام بمعنى الاستقامة. هـ.