﴿لو اطّلعتَ عليهم﴾ أي : لو عاينتهم وشاهدتهم. والاطلاع : الإشراف على الشيء بالمعاينة والمشاهدة، ﴿لولَّيت منهم فرارًا﴾ : هربًا بما شاهدت منهم، ﴿ولمُلئتَ منهم رُعْبًا﴾، أي : خوفًا يملأ الصدور برُعبه، لِمَا ألبسهم الله من الرهبة، أو لعظم أجرامهم وانفتاح أعينهم، وكانت منفتحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم. وعن معاوية : أنه غزا الروم فمرّ بالكهف، فقال : لو كُشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم، فقال ابن عباس رضي الله عنه : ليس لك ذلك ؛ قد منع الله تعالى مَنْ هو خير منك، حيث قال :﴿لو اطلعت عليهم...﴾ الآية، فلم يسمع، وقال : ما أنتهي حتى أعْلَم علمهم، فبعث ناسًا، وقال : اذهبوا فانظروا، ففعلوا، فلما دخلوا بعث الله ريحًا فأحرقتهم. هـ.
الإشارة : للصوفية - رضي الله عنهم - تشبه قويّ بأهل الكهف، في الانقطاع إلى الله، والتجرد عن كل ما سواه، والانحياش إلى الله، والفرار من كل ما يشغل عن الله، والتماس الرحمة الخاصة من الله، وطلب التهيئة لكل رشد وصواب، ولهذا المعنى ختم الشيخ القطب ابن مشيش تصليته المشهورة بما دَعَوْا به، حين أووا إلى كهف الإيواء ؛ تَشَبُّهًا بهم في مطلق الانقطاع والفرار من مواطن الحس. ولذلك لَمَّا تشبهوا بهم حفظهم الله - أي : الصوفية - ممن رام أذاهم، وغيّبهم عن حس أنفسهم، وأشهدهم عجائب لطفه وقدرته، ومن تمام التشبه بهم : أنك قلَّ أن تجد فرقة تُسافر منهم إلا ويتبعهم كلب يكون معهم، حتى شهدتُ ذلك في جُل أسفارنا مع الفقراء ؛ تحقيقًا لكمال التشبيه. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٦