رُوِيَ أنَّ المبعوث لمَّا دخل المدينة ؛ ليشتري الطعام، أخرج دراهمه، وكانت على ضرب (دقيانوس)، فاتهموه أنه وجد كنزاً، فذهبوا به إلى الملك، فقص عليه القصة، فقال بعضهم : إن آباءنا أخبرونا أن فتية فروا بدينهم من (دقيانوس)، فلعلهم هؤلاء، فانطلق الملكُ وأهلُ المدينة ؛ من مسلم وكافر، فدخلوا عليهم وكلموهم، ثم قالت الفتية للملك : نُودعك الله ونعيذك به من الإنس والجن، ثم رجعوا إلى مضاجعهم، فماتوا، فألقى المَلِكُ عليهم ثيابه، وجعل لكل منهم تابوتًا من ذهب، فرآهم في المنام كارهين للذهب، فجعلها من الساج، وبنى على باب الكهف مسجدًا. وقيل : لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى : مكانَكَم حتى أدخل أولاً ؛ لئلا يفزعوا، فدخل، فَعُمِّي عليهم المدخل، فبنوا ثَمَّةَ مسجدًا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٠
وقيل : المتنازَع فيه : أمر الفتية قبل بعثهم، أي : أعثرنا عليهم حين يتذاكرون بينهم أمرهم، وما جرى بينهم وبين دقيانوس من الأحوال والأهوال، ويتلقون ذلك من الأساطير وأفواه الرجال. وعلى التقديرين : فالفاء في قوله :﴿فقالوا ابنُوا﴾ فصيحة، أي : أعثرنا عليهم فرأوا ما رأوا، ثم ماتوا، فقال بعضهم :﴿ابنوا عليهم﴾ : على باب كهفهم ﴿بُنيانًا﴾ ؛ لئلا يتطرق إليهم الناس، ففعلوا ذلك ؛ ضنًا بمقامهم ومحافظة عليهم.
ثم قالوا :﴿ربهم أعلمُ بهم﴾، كأنهم لما عجزوا عن إدراك حقيقة حالهم ؛ من حيث النسبة، ومن حيث العدد، ومن حيث بُعد اللبث في الكهف، قالوا ذلك ؛ تفويضًا إلى علام الغيوب. أو : يكون من كلامه سبحانه ؛ ردًا لقول الخائضين في حديثهم من أولئك المتنازعين، ﴿قال الذين غلبوا على أمرهم﴾، وهو الملك والمسلمون، وكانوا غالبين في ذلك الوقت :﴿لنَتَّخِذَنَّ عليهم مسجدًا﴾، فذكر في القصة أنه جعل على باب الكهف مسجدًا يصلي فيه.
١٥١


الصفحة التالية
Icon