الإشارة : عادة الحق تعالى في أوليائه أن يُخْفِيهم أولاً عن أعين الناس، رحمةً بهم ؛ إذ لو أظهرهم في البدايات ؛ لفتنوهم وردوهم إلى ما كانوا عليه، حتى إذا تخلصوا من البقايا، وتمكنوا من معرفة الحق وشهوده، أعثر عليهم من أراد سعادته ووصوله إلى حضرته ؛ ليعلموا أن وعد الله بإبقاء العدد الذين يحفظ الله بهم نظام العالم في كل زمان حق، وأنّ خراب العالم بانقراضهم، وقيام الساعة لا ريب فيه. وفي الآية تنبيه على ذم الخوض بما لا علم للعبد به، ومدح من رد العلم إلى الله في كل شيء. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٠
قلت :﴿إلا أن يشاء﴾ : استثناء مفرغ من النهي، أي : لا تقولن في حال من الأحوال، إلا حال ملابسةٍ بمشيئته تعالى على الوجه المعتاد، وهو أن تقول : إن شاء الله، أو : في وقت من الأوقات، إلا وقت إن شاء الله.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿فلا تُمَارِ﴾ أي : لا تجادل ﴿فيهم﴾ ؛ في شأن أهل الكهف ﴿إِلا مِراءً ظاهرًا﴾ قدر ما تعرض له الوحي من وصفهم، من غير زيادة عليه، مع تفويض العلم إلى الله، فلا تُصرح بجهلهم، ولا تفضح خطأهم، فإنه يُخل بمكارم الأخلاق، ﴿ولا تَسْتَفْتِ فيهم﴾ : في شأنهم ﴿منهم﴾ ؛ من الخائضين ﴿أحدًا﴾ ؛ فإن فيما أوحي إليك لمندوحة عن ذلك، مع أنهم لا علم لهم بذلك.