يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿واصبرْ نفسك﴾ أي : احبسها ﴿مع الذين يدعون ربهم﴾ أي : يعبدونه ﴿بالغداةِ والعَشِيِّ﴾، قيل : الصلوات الخمس، فالغداة : الصبح، والعَشِيِّ : الظهر وما بعده، وقيل : الصبح والعصر، قلت : والأظهر أنها الصلاة التي كانوا يُصلونها قبل فرض الصلاة، وهي ركعتان بالغداة والعشي. قال ابن عطية : ويدخل في الآية مَنْ يدعو في غير صلاة، ومن يجمع لمذاكرة علم، وقد رَوى عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ أنه قال :" لَذِكْرُ اللهِ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حَطْمِ السُّيُوف فِي سَبيل اللهِ، ومِنْ إعْطَاءِ المَال سحا " وقيل :﴿يدعون ربهم﴾ في جميع الأوقات، وفي طرفَيْ النهار، والمراد بهم فقراء المؤمنين ؛ كعمار وصهيب وخباب وبلال، رُوي أن رؤساء الكفرة من قريش قالوا لرسول الله ﷺ : لو أبعدت هؤلاء عن نفسك لجالسناك وصحبناك، وقالوا : إن ريح جِبَابِهم تؤذينا، فنزلت الآية. رُوي أنه ﷺ لما نزلت خرج إليهم وجلس بينهم، وقال :" الحمدُ لله الذي جَعَلَ في أمتي مَنْ أُمرْتُ أنْ أصبرْ نَفْسِي معه " وقيل : نزلت في بيان أهل الصُّفَّة، وكانوا نحو سبعمائة، فتكون الآية مدنية.
ثم وصفهم بالإخلاص، فقال :﴿يُريدون وجهه﴾ أي : معرفة ذاته، لا جنة ولا نجاة من نار، ﴿ولا تَعْدُ عيناك عنهم﴾ أي : لا تجاوزهم بنظرك إلى غيرهم، من عداه : إذا جاوزه، وفي الوجيز : ولا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة، ﴿تُريد زينةَ الحياةِ الدنيا﴾ أي : تطلب مجالسة الأشراف والأغنياء وأصحاب الدنيا.
١٥٦