﴿ولا تُطِعْ﴾ في تنحية الفقراء عن مجلسك ﴿مَن أغفلنا قلبَه عن ذِكْرِنا﴾ أي : جعلناه غافلاً عن الذكر وعن الاستعداد له، كأولئك الذين يدعونك إلى طرد الفقراء عن مجلسك، فإنهم غافلون عن ذكرنا، على خلاف ما عليه المؤمنون من الدعاء في مجامع الأوقات، وفيه تنبيه على أن الباعث على ذلك الدعاء غفلة قلبية عن جناب الله - سبحانه - حتى خفي عليه أن الشرف إنما هو بتحلية القلب بالفضائل، لا بتحلية الجسد بالملابس والمآكل. ﴿واتَّبَعَ هواه﴾ : ما تهواه نفسه، ﴿وكان أمره فُُرطًا﴾ : ضياعًا وهلاكًا، وهو من التفريط والتضييع، أو من الإفراط والإسراف، فإن الغفلة عن ذكر الله - تعالى - تُؤدي إلى اتباع الهوى المؤدي إلى التجاوز والتباعد عن الحق والصواب. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٦
الإشارة : في الآية حثٌّ على صحبة الفقراء والمُكْث معهم، وفي صحبتهم أسرار كبيرة ومواهب غزيرة، إذ بصحبتهم يَكتسبُ الفقير آداب الطريق، وبصحبتهم يقع التهذيب والتأديب، حتى يتأهل لحضرة التقريب، وبصحبتهم تدوم حياة الطريق، ويصل العبد إلى معالم التحقيق، وفي ذلك يقول الشيخ أبو مدين رضي الله عنه :
مَا لَذّةُ العَيْشِ إلا صُحبة الفُقرا
هُمُ السَّلاَطِينُ والسَّادَاتُ والأُمَرَا
فاصْحَبْهُمُ وتَأَدَّبْ فِي مَجَالِسِهِم
وَخَلِّ حظَّكَ مَهْمَا خَلَّفُوكَ وَرَا
إلى آخر كلامه.
وقوله تعالى :﴿واصبر نفسك﴾ قال القشيري : لم يقل : واصبر قلبك ؛ لأن قلبه كان مع الحق تعالى، فأمره بصحبة الفقراء جَهْرًا بجهر، واستخلص قلبه لنفسه سِرًا بِسرٍّ. هـ. قال الورتجبي : اصبر نفسك مع هؤلاء الفقراء، العاشقين لجمالي، المشتاقين إلى جلالي، الذين هم في جميع الأوقات يسألون متى لقاء وجهي الكريم، ويريدون أن يطيروا بجناح المحبة إلى عالم وَصْلي، حتى يكونوا مُتسلين بصحبتك عن مقام الوصال، وفي رؤيتهم لك رؤية ذلك الجمال. هـ.