ولعل تأخير تفجير النهر عن ذكر إيتاء الأكل، مع أن الترتيب الخارجي العكس ؛ للإيذان باستقلال كل من إيتاء الأكل وتفجير النهر في تكميل محاسن الجنتين، كما في قصة البقرة ونحوها، ولو عكس لأوهم أن المجموع خصلة واحدة بعضها مرتب على بعض.
﴿وكان له ثمرٌ﴾ أي : وكان لصاحب الجنتين أنواع من المال غير الجنتين، من ثَمُرَ مالُه : إذا كثر. قال ابن عباس : الثمر : جميع المال ؛ من الذهب، والفضة والحيوان، وغير ذلك. وقال مجاهد : هو الذهب والفضة خاصة. ﴿فقال لصاحبه﴾ المؤمن، أخيه أو شريكه، ﴿وهو يُحاوره﴾ : يراجعه في الكلام، من حَار إذا رجع، وذلك أنه سأله عن ماله فيما أنفقه، فقال : قدمتُه بين يدي، لأقدم عليه، فقال له :﴿أنا أكثرُ منك مالاً وأعزُ نفرًا﴾ : حَشمًا وأعوانًا وأولادًا ذكورًا ؛ لأنهم الذين ينفرون معه.
﴿ودخل جَنَّتَهُ﴾ : بستانه الذي تقدم وصفه، وإنما وحده ؛ إما لعدم تعلق الغرض بتعدده، أو لاتصال أحدهما بالآخر، أو لأن الدخول يكون في واحدٍ واحد. فدخله
١٦١
﴿وهو ظالمٌ لنفسه﴾ ؛ ضارُّ لها بعُجْبه وكفره، ﴿قال﴾ حين دخوله :﴿ما أظنُ أن تَبِيدَ هذه﴾ الجنة، أي : تفنى ﴿أبدًا﴾ ؛ لطول أمده وتمادي غفلته، وإنكارًا لفناء الدنيا وقيام الساعة، ولذلك قال :﴿وما أظنُّ الساعة قائمةً﴾ أي : كائنة فيما سيأتي، ﴿ولئن رُدِدتُ إِلى ربي﴾ ؛ بالبعث عند قيامها، كما تقول، ﴿لأجدنَّ﴾ حينئذ ﴿خيرًا منها﴾ : من الجنتين ﴿مُنقلبًا﴾ أي : مرجعًا وعاقبة، أي : كما أعطاني هذا في الدنيا سيعطيني أفضل منه في الآخرة، ومدار هذا الطمع واليمين الفاجرة : اعتقاد أنه تعالى إنما أولاه ما أولاه في الدنيا ؛ لاستحقاقه لذاتِهِ، وكرامته عليه، ولم يَدْرِ أن ذلك استدراج.