﴿قال له صاحبه﴾ ؛ أخوه المسلم ﴿وهو يُحاوره أكفرتَ بالذي خلقك﴾ أي : أصلك ﴿من ترابٍ﴾، فإن خلق آدم عليه السلام من تراب متضمن لخلق أولاده منه ؛ إذ لم تكن فطرته مقصورة على نفسه، بل كانت أنموذجًا منطويًا على فطرة سائر أفراد الجنس، انطواءً مجانسًا مُستتْبعًا لجريان آثارها على الكل، فكان خلْقُه عليه السلام من تراب خلقًا للكل منه، ﴿ثم من نطفة﴾ هي مادتك القريبة، ﴿ثم سَوَّاك رجلاً﴾ أي : عدلك وكملك إنسانًا ذكرًا، أو صيرك رجلاً، وفي التعبير بالموصول مع صلته : تلويح بدليل البعث الذي نطق به قوله تعالى :﴿ياأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ﴾ [الحَجّ : ٥].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٠
قال البيضاوي : جعل كفره بالبعث كفرًا بالله ؛ لأنه منشأ الشك في كمال قدرة الله، ولذلك رتَّب الإنكار على خلقه إياه من التراب، فإن مَنْ قدر على إبداء خلقه منه قدر أن يعيده منه. هـ.
ثم قال أخوه المسلم :﴿لَكِنَّا﴾ أصله : لكن أنا، وقُرئ به، فحُذفت الهمزة، فالتقت النونان فوقع الإدغام، ﴿هو الله ربِّي﴾، " هو " : ضمير الشأن، مبتدأ، خبره :" هو الله ربي "، وتلك الجملة : خبر " أنا "، والعائد منها : الضمير، وقرئ بإثبات " أنا " في الوصل والوقف، وفي الوقف خاصة، ومدار الاستدراك قوله تعالى :﴿أكفرت﴾، كأنه قال : أنت كافر، لكني مؤمن موحد، ﴿ولا أُشركُ بربي أحدًا﴾، وفيه تنبيه على أن كفره كان بالإشراك. قاله أبو السعود.


الصفحة التالية
Icon