﴿هنالك﴾ ؛ في ذلك المقام، وفي تلك الحال ﴿الولاَيةُ لله الحقّ﴾ أي : النصرة له وحده، لا يقدر عليها أحد غيره، وقُرئ :" الحقِ " ؛ بالكسر، صفة لله، وبالرفع، نعت للولاية. ويُحتمل أن يكون :﴿هنالك﴾ ظرفًا لمنتصرًا، أي : وما كان ممتنعًا من انتقام الله منه في ذلك الوقت، ففيه تنبيه على أن قوله :﴿يا ليتني لم أشرك﴾ : كان عن اضطرار وجزع مما دهاه، فلذلك لم ينفعه، كقوله تعالى :﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا﴾ [غافر : ٨٥]. وحينئذ استأنف تعالى الإخبار عن كمال حفظه لأوليائه فقال :﴿الولايةُ لله الحق﴾ أي : الحفظ والرعاية والنصرة إنما هي من الله لأوليائه في الدنيا والآخرة، لا يخذلهم في حال من الأحوال، بل يتولى سياستهم ونصرهم وهدايتهم، كما هو شأن من اعتز بالله، دون من اعتز بغيره، فقوله :﴿ولم تكن له فئة﴾ : رد لقوله :﴿وأعزُّ نفرًا﴾ ؛ أي : بل النصرة لله لأوليائه، دون من تولى غيره. والحاصل : أن من تولى الله فعاقبته النصرة، ومن تولى غيره فعاقبتُه الخذلان. والعياذ بالله. ويحتمل أن يكون قد تَم الكلام على القصة، ثم أعاد الكلام إلى ما قبل القصة، فقال :﴿هنالك﴾ عند ذلك، يعني : يوم القيامة ﴿الولايةُ لله الحق﴾ ؛ يتولون الله ويُؤمنون به، ويتبرأون مما كانوا يعبدون، ﴿هو خيرٌ ثوابًا﴾ أي : خير من يرجى ثوابه، ﴿وخيرُ عُقبًا﴾ أي : عاقبة لأوليائه. والعُقب : العاقبة، يقال : عاقبة كذا وعُقْبَاهُ وعقبه، أي : آخره. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٠
الإشارة : قد ضرب الله مثلاً لمن عكف على هواه، وقصر همته على زخارف دنياه، ولمن توجه بهمته إلى مولاه، وقدَّم دنياه لأخراه، فكان عاقبة الأول : الندم والخسران، وعاقبة الثاني : الهنا والرضوان، أوْ لمن وقف مع علمه واعتمد عليه، ولمن تبرأ من حوله وقوته في طلب الوصول إليه.


الصفحة التالية
Icon