﴿وعُرِضُوا على ربك﴾، شبهت حالتهم بحال جُنْدٍ عُرِضَ على السلطان، ليأمر فيهم بما يأمر. وفي الالتفات إلى الغيبة، وبناء الفعل للمفعول، مع التعرض لعنوان الربوبية، والإضافة إلى ضميره - عليه الصلاة والسلام - من تربية المهابة، والجري على سَنَن الكبراء، وإظهار اللطف به ﷺ - ما لا يخفى. قاله أبو السعود. ﴿صَفًّا﴾ أي : مصْطَفِّينَ غير متفرقين ولا مختلطين، كل أمة صَفٌّ، وفي الحديث الصحيح :" يَجْمَعُ اللهُ الأولين والآخرين في صَعِيدٍ واحِد، صفوفًا، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِيِ وَيَنْفُذُهُم البَصَرُ... " الحديث
١٦٧
بطوله. وفي حديث آخر :" أهل الجنة، يوم القيامة، مائة وعشرون صفًا، أنتم منها ثمانون صفًا ". يقال لهم - أي : للكفرة منهم :﴿لقد جئتمونا كما خلقناكم أولَ مرة﴾، وتركتم ما خولناكم وما أعطيناكم من الأموال وراء ظهوركم. أو : حفاة عراة غُرْلاً، كما في الحديث.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٧
وهذه المخاطبة، بهذا التقريع، إنما هي للكفار المنكرين للبعث، وأما المؤمنون المُقِرون بالبعث فلا تتوجه إليهم هذه المخاطبة، ويدل عليه ما بعده من قوله :﴿بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدًا﴾ أي : زعمتم في الدنيا أنه، أي : الأمر والشأن، لن نجعل لكم وقتًا يَتَنَجَّزُ فيه ما وعدته من البعث وما يتبعه. وهو إضراب وانتقال من كلام، إلى كلام، كلاهما ؛ للتوبيخ والتقريع.


الصفحة التالية
Icon