يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿و﴾ اذكر ﴿إِذْ قلنا للملائكةِ﴾ أي : وقت قوْلنا لهم :﴿اسجدوا لآدمَ﴾ سجود تحية وتكريم، ﴿فسجدوا﴾ جميعًا ؛ امتثالاً للأمر، ﴿إِلا إِبليسَ﴾ أبى واستكبر ؛ لأنه ﴿كان من الجنِّ﴾، وكان رئيسهم في الأرض، فلما أفسدوا أرسل الله عليهم جندًا من الملائكة، فغزوهم، فهربوا في أقطار الأرض، وأُخذ إبليس أسيرًا، فعرجوا به إلى السماء، فأسلم وتعبد في أقطار السماوات، فلما أُمرت الملائكة بالسجود امتنع ونزع لأصله، ﴿ففسقَ﴾ أي : خرج ﴿عن أمر ربه﴾ أي : عن طاعته، أو صار فاسقًا كافرًا بسبب أمر الله تعالى ؛ إذ لولا ذلك لَمَا أبى، والتعرض لوصف الربوبية المنافية للفسق ؛ لبيان كمال قُبح ما فعله.
١٦٩
قال تعالى :﴿أفتتخذونه وذريَّتَه﴾ أي : أولاده، أو أتباعه، وهم الشياطين، جُعلوا ذريةً ؛ مجازًا. وقال قتادة : إنهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم. وقيل : يُدْخِل ذنَبه في دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين. والهمزة للإنكار والتعجب، والفاء للتعقيب، أي : أَعقبَ عِلْمكُم بصدور تلك القبائح منه، تتخذونه وذريته ﴿أولياءَ﴾ ؛ أحبار ﴿من دوني﴾ ؛ فتستبدلونهم، وتطيعونهم بدل طاعتي، والحال أنهم، أي : إبليس وذريته ﴿لكم عدو﴾ أي : أعداء. وأُفرد ؛ تشبيهًا له بالمصدر، كالقبول والولوع، ﴿بئس للظالمين﴾ : الواضعين للشيء في غير محله، ﴿بدلاً﴾ استبدلوه من الله تعالى، وهو إبليس وذريته. وفي الالتفات إلى الغيبة، مع وضع الظاهر موضع الضمير، من الإيذان بكمال السخط، والإشارة إلى أن ما فعلوه ظلم قبيح، ما لا يخفى.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٩
ما أشهدتُهم﴾
أي : ما أحضرت إبليس وذريته، أو : جميع الكفار ﴿خلْقَ السماواتِ والأرضِ﴾، حيث خلقتهما قبل خلقهم، ﴿ولا خلقَ أنفسهم﴾ : ولا أشهدت بعضهم خلق بعض : كقوله :﴿وَلاَ تَقْتُلُوااْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [النِّساء : ٢٩]. قاله البيضاوي.


الصفحة التالية
Icon