وما منع الناسَ} أي : أهل مكة الذين حكيت أباطيلهم، من ﴿أن يؤمنوا﴾ بالله تعالى، ويتركوا ما هم فيه من الإشراك، ﴿إِذْ جاءهُم الهُدَى﴾ أي : حين جاءهم القرآن الهادي إلى الإيمان، بسبب ما فيه من فنون العلوم وأنواع الإعجاز، فيؤمنوا، ﴿ويستغفروا ربهم﴾ عما فرط منهم من أنواع الذنوب، التي من جملتها : مجادلتهم للحق بالباطل، ﴿إِلا أن تأتيهم سُنَّةُ الأولين﴾ أي : ما منعهم إلا إتيان سنة الأولين، وهو نزول العذاب المستأصل أو انتظاره، فيكون على حذف مضاف، أي : انتظار سنة الأولين، وهو الهلاك. قال ابن جزي : معناها أن المانع للناس من الإيمان والاستغفار
١٧٢
هو القضاء عليهم بأن تأتيهم سُنَّة الأمم المتقدمة، وهي الإهلاك في الدنيا، أو يأتيهم العذاب أي : عذاب الآخرة. هـ. قلت : والظاهر أن معنى الآية : ما منعهم من الإيمان إلا انتظار آية يرونها عيانًا، كعادة الأمم الماضية، فيهلكوا كما هي سُنَّة الله في خلقه، أو : عذاب ينزل بهم جهرًا، وهو معنى قوله :﴿أو يأتيهم العذابُ قُبُلاً﴾ أي : مقابلة وعيانًا.
قال تعالى :﴿وما نُرسل المرسلين﴾ إلى الأمم ﴿إِلا مبشرين ومنذرين﴾ أي : مبشرين للمؤمنين بالثواب، ومنذرين للكافرين بالعقاب، دون إظهار الآيات واقتراح المعجزات، ﴿ويُجادل الذين كفروا بالباطل﴾ ؛ باقتراح الآيات ؛ كالسؤال عن قصة أصحاب الكهف ونحوها. يفعلون ذلك ﴿ليُدْحِضُوا به﴾ أي : بالجدال ﴿الحقَّ﴾، أي : يزيلونه عن مركزه ويبطلونه، من إدحاض القدم وهو إزلاقها. وجدالهم : قولهم لرسلهم عليهم السلام :﴿مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ﴾ [يس : ١٥]، ﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً﴾ [المؤمنون : ٢٤]، ونحوها. ﴿واتخذوا آياتي﴾ التي تخرّ لها صُمُّ الجبال، وهو القرآن، ﴿وما أنذروا﴾ أي : وإنذاري لهم، أو : الذي أنذروا به من العذاب والعقاب، ﴿هُزُوًا﴾ ؛ مهزوءًا به، أو محل استهزاء.


الصفحة التالية
Icon