ولمَّا ذكر الحق جلّ جلاله قصة أهل الكهف، وكان وقع فيها عتاب للرسول - عليه الصلاة والسلام - حيث لم يستثن بتأخير الوحي، وبقوله :﴿ولا تقولن لشيء...﴾ الخ، ذكر هنا قصة موسى مع الخضر - عليهما السلام - وكان سَبَبُها عتابَ الحق لموسى عليه السلام ؛ حيث لم يردَّ العلم إليه، حين قال له القائل : هل تعلم أحدًا أعلم منك ؟ فقال : لا، فذكر الحق تعالى قصتهما ؛ تسليةً لنبينا عليه الصلاة والسلام بمشاركة العتاب.
قلت :﴿لا أبرح﴾ : ناقصة، وخبرها : محذوف : اعتمادًا على قرينة الحال ؛ إذ كان ذلك عن التوجه إلى السفر، أي : لا أبرح أسير في سفري هذا، ويجوز أن تكون تامة، من زال يزول، أي : لا أفارق ما أنا بصدده حتى أبلغ... الخ.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿و﴾ اذكر ﴿إذ قال موسى لفتاه﴾ يوشع بن نون بن إفراثيم بن يوسف عليه السلام، وكان ابن أخته، سُمي فتاه ؛ إذ كان يخدمه ويتبعه ويتعلم منه العلم. والفتى في لغة العرب : الشاب، ولمَّا كانت الخدمة أكثر ما تكون من الفتيان، قيل للخادم : فتى، ويقال للتلميذ : فتى، وإن كان شيخًا، إذا كان في خدمة شيخه، فقال موسى عليه السلام :﴿لا أبرحُ﴾ : لا أزال أسير في طلب هذا الرجل، يعني : الخضر عليه السلام، ﴿حتى أبلغَ مَجْمَعَ البحرين﴾، وهو ملتقى بحر فارس والروم مما يلي المشرق، وهذا مذهب الأكثر. وقال ابن جزي : مجمع البحرين : عند " طنجة " ؛ حيث يتجمع البحر المحيط والبحر الخارج منه، وهو بحر الأندلس. قلت : وهو قول كعب بن محمد القرضي. ﴿أو أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ أي : زمنًا طويلاً أتيقن معه فوات الطلب. والحقب : الدهر، أو ثمانون سنة، أو سبعون.


الصفحة التالية
Icon