رُوِيَ أن موسى عليه السلام حين انتهى إلى الصخرة رأى الخضر عليه السلام على طنْفَسَةٍ - أي : بساط - على وجه الماء، فسلم عليه. وعنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال :" انتهى موسى إلى الخضر، وهو نائم مُسَجى عليه ثوب، فسلَّمَ عليه فاستوى جالسًا، وقال : عليك السلام يا نبي بني إسرائيل، فقال موسى : من أخبرك أني نبي بني إسرائيل ؟ قال : الذي أدراكَ بي، وذلك عليَّ " قال تعالى في حق الخضر :﴿آتيناه رحمةً من عندنا﴾، هي الوحي والنبوة، كما يُشعر به تنكير الرحمة، وإضافتها إلى جناب الكبرياء، وقيل : هي سر الخصوصية، وهي الولاية. ﴿وعلَّمناه من لَّدُنَّا عِلْمًا﴾ خاصًا، لا يكتنه كُنْهه، ولا يُقدر قدره، وهو علم الغيوب، أو أسرار الحقيقة، أو علم الذات والصفات، علمًا حقيقيًا. فالخضر عليه السلام قيل : إنه نبي ؛ بدليل قوله فيما يأتي :﴿وما فعلته عن أمري﴾، وقيل : وَلِيٌّ، واخْتلف :
١٧٨
هل مات، أو هو حي ؟ وجمهور الأولياء : أنه حي، وقد لقيه كثيرٌ من الصلحاء والأولياء، حتى تواتر عنهم حياته. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٦
الإشارة : إنما صار الحوت دليلاً لسيدنا موسى عليه السلام بعد موته وخروجه عن إلفه، ثم حيى حياة خصوصية لَمَّا أنفق عليه من عين الحياة، كذلك العارف لا يكون دالاً على الله، وإمامًا يقتدى به حتى يموت عن شهود حسه، ويخرق عوائد نفسه، ويفنى عن بشريته، ويبقى بربه، حينئذ تحيا روحه بشهود عظمة ربه، ويصير إمامًا ودليلاً موصلاً إليه، ويَظهر منه خرق العوائد، كما ظهر من الحوت، حيث أمسك عن الماء الجرية فصار كالطَّاق، وذلك اقتدار، وإلى ذلك تشير أحوال الخضر، فكان الحوت مظهرًا لحاله في تلك القصة. قاله في الحاشية بمعناه.


الصفحة التالية
Icon