وقال قبل ذلك في قوله : واتخذ سبيله في البحر عَجَبًا : أي اتخذ الحوتُ، وجوِّزَ كونُ فاعلِ (اتخذ) : موسى، أي : اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا وخرقَ عادةٍ ؛ بأن مشى على الماء في طريق الحوت، حتى وجد الخضر على كبد البحر. ثم قال : وعلى الجملة : فالقضية تشير من جهة الخضر : للاقتدار وإسقاط الأسباب، ومن جهة موسى : لإثبات الأسباب ؛ حكمة، وحالة الاقتدار أشرف، وصاحب الحكمة أكمل ونفعه عام، بخلاف الآخر، فإن نفعه خاص. هـ.
وقوله تعالى :﴿وعلّمناه من لدُنَّا علمًا﴾، العلم اللدني : هو الذي يفيض على القلب من غير اكتساب ولا تعلم، قال عليه الصلاة والسلام :" من عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللهُ علمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " وذلك بعد تطهير القلب من النقائص والرذائل، وتفرغه من العلائق والشواغل، فإذا كمل تطهير القلب، وانجذب إلى حضرة الرب، فاضت عليه العلوم اللدنية، والأسرار الربانية، منها ما تفهمها العقول وتدخل تحت دائرة النقول، ومنها ما لا تفهمها العقول ولا تحيط بها النقول، بل تُسلم لأربابها، من غير أن يقتدى بهم في أمرها، ومنها ما تفيض عليهم في جانب علم الغيوب ؛ كمواقع القدر وحدوث الكائنات المستقبلة، ومنها ما تفيض عليهم في علوم الشرائع وأسرار الأحكام، ومنها في أسرار الحروف وخواص الأشياء، إلى غير ذلك من علوم الله تعالى. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٦
١٧٩
قلت :﴿رُشْدًا﴾ : مفعول ثاني لعلمت، أو : علة لأتبعك، أو : مصدر بإضمار فعله، أو : حال من كاف ﴿أتبعك﴾، أو : على إسقاط الخافض، أي : من الرشد، وفيه لغتان : ضم الراء وسكون الشين، وفتحهما، وهو : إصابة الخير، و ﴿خُبْرًا﴾ : تمييز محول عن الفاعل، أي : لم يحط به خبرك. و ﴿لا أعصي﴾ : عُطِفَ على :﴿صابرًا﴾.


الصفحة التالية
Icon