يقول الحقّ جلّ جلاله : ولما اتصل موسى بالخضر - عليهما السلام - استأذنه في صحبته ليتعلم منه، ملاطفة وأدباً وتواضعاً، وكذلك ينبغي لمن يريد التعلم من المشايخ : أن يتأدب ويتواضع معهم. ﴿قال له موسى هل أتبعك على أن تُعلّمَنِ رُشدًا﴾ أي : مما علمك الله من العلم الذي يدل على الرشد وإصابة الصواب، لعلي أرشد به في ديني. ولا ينافي كونه نبيًا ذا شريعة أن يتعلم من غيره من أسرار العلوم الخفية ؛ إذ لا نهاية لعلمه تعالى، وقد قال له تعالى فيما تقدم : أعلم الناس من يبتغي علم غيره إلى علمه. رُوي أنهما لما التقيا جلسا يتحدثان، فجاءت خُطافة أو عصفور فنقر في البحر نقرة أو نقرتين، فقال الخضر : يا موسى خطر ببالك أنك أعلم أهل الأرض ؟ ما علمك وعلمي وعلم الأولين والآخرين في جنب علم الله إلا أقل من الماء الذي حمله هذا العصفور.
ولَمَّا سأله صُحْبَتَهُ ﴿قال﴾ له :﴿إِنك لن تستطيع معيَ صبرًا﴾ ؛ لأنك رسول مكلف بحفظ ظواهر الشرائع، وأنا أطلعني الله تعالى على أمور خفية، لا تتمالك أن تصبر عنها ؛ لمخالفة ظاهرها للشريعة. وفي صحيح البخاري :" قال له الخضر : يا موسى، إني على علم من علم الله عَلَّمَنِيهِ، لا تعلمه أنت، وأنتَ على علمٍ من علم الله علَّمكَه الله، لا أعلمه " ثم علّل عدم صبره بقوله :﴿وكيف تصبرُ على ما لم تُحط به خُبْرًا﴾ ؟ لأني أتولى أموراً خفية لا خُبر لك بها، وصاحب الشريعة لا يُسلم لصاحب الحقيقة العارية من الشريعة، ﴿قال﴾ له موسى عليه السلام :﴿ستجدني إِن شاء الله صابرًا﴾ معك، غير مُعترض عليك. وتوسيط الاستثناء بين مفعولي الوجدان لكمال الاعتناء بالتيمن، ولئلا يتوهم تعلقه بالصبر، ﴿ولا أعصي لك أمرًا﴾، هو داخل في الاستثناء، أي : ستجدني إن شاء الله صابرًا وغير عاص.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٩


الصفحة التالية
Icon