﴿قال﴾ موسى عليه السلام في اعتراضه :﴿أقتلتَ نفسًا زكية﴾ : طاهرة من الذنوب، وقرئ بغير ألف ؛ مبالغةً، ﴿بغير نَفْسٍ﴾ أي : بغير قتلِ نفسٍ محرمةٍ، فيكون قصاصًا. وتخصيص نفي هذا القبيح بالذكر من بين سائر القبيحات من الكفر بعد الإيمان، والزنا بعد إحصان ؛ لأنه أقرب إلى الوقوع ؛ نظرًا لحال الغلام. ﴿لقد جئتَ شيئًا نُكْرًا﴾ أي : مُنكرًا، قيل : أنكرُ من الأول، إذ لا يمكن تداركه، كما يمكن تدارك الأول ؛ بالسد ونحوه. وقيل :" الإمْر " أعظم ؛ لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة.
﴿قال﴾ له الخضرُ عليه السلام :﴿ألم أقل لك إِنك لن تستطيعَ معي صبرًا﴾، زاد " لك " ؛ لزيادة تأكيد المكافحة ؛ بالعتاب على رفض الوصية وقلة التثبت والصبر، لما تكرر منه الإنكار، ولم يَرْعَوِ بالتذكير، حتى زاد في النكير في المرة الثانية بذكر المنكر. ﴿قال﴾ موسى عليه السلام :﴿إِنْ سألتك عن شيء بعدها﴾ ؛ بعد هذه المرة ﴿فلا تُصاحبني﴾ إن سألتُ صُحبتَكَ، وقرأ يعقوب :" فلا تصحبني " ؛ رباعيًا، أي : لا تجعلني صاحبًا لك، ﴿قد بلغتَ من لدُنِّي عُذْرًا﴾ أي : قد أعذرتَ ووجدت مِنْ قِبَلِي عذرًا في
١٨٣
مفارقتي، حيث خالفتك ثلاث مرات. وعن النبي ﷺ :" يرحم الله أَخِي مُوسَى، استحيا، فقال ذلك، لو لَبِثَ مَعَ صَاحِبِهِ لأبْصرَ أَعْجَبَ الأعَاجِيب " وفي البخاري :" وددنا لو صبر موسى، حتى يقص الله علينا من أمرهما ". ﴿فانطلقا حتى إِذا أتيا أهل قريةٍ﴾، هي أنطاكية، وقيل : أَيْلة، وقيل الأبُلة، وهي أبعد أرض الله من السماء، وقيل : برقة، وقال أبو هريرة وغيره : هي بالأندلس. ويُذكر أنها الجزيرة الخضراء. قلت : وهي التي تسمى اليوم طريفة، وأصلها بالظاء المشالة. وذلك على قول إن مجمع البحرين عند طنجة وسبتة. وعن النبي ﷺ :" كانوا أهل قرية لِئامًا " وقال قتادة : شر القرى التي لا يُضاف فيها الضيف، ولا يعرف لابن السبيل حقه.


الصفحة التالية
Icon