جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٢
ثم وصف القرية بقوله :﴿استطعما أهلها﴾ أي : طلبا منهم طعامًا، ولم يقل : استطعماهم، على أن يكون صفة لأهل ؛ لزيادة تشنيعهم على سوء صنيعهم، فإن الإباء من الضيافة، مع كونهم أهلها قاطنين بها، أشنع وأقبح.
رُوي أنهما طافا بالقرية يطلبان الطعام، فلم يطعموهما. واستضافاهم ﴿فأَبَوا أن يُضيفوهما﴾ بالتشديد، وقرئ بالتخفيف. يقال : ضافه : إذا كان له ضيفًا، أضافه وضيّفه : أنزله ضيفًا. وأصل الإضافة : الميل، من : ضاف السهمُ عن الغرض : مال، ونظيره : زاره، من الازْوِرَار، أي : الميل. فبينما هما يمشيان، ﴿فوجدا فيها جدارًا﴾، قال وهب : كان طوله مائة ذراع، ﴿يُريد أن ينقضَّ﴾ أي : يسقط، استعار الإرادة للمشارفة ؛ للدلالة على المبالغة في ذلك، والانقضاض : الإسراع في السقوط، وهو انفعال، من القض، يقال : قضضته فانقض، ومنه : انقضاض الطير والكوكب ؛ لسقوطه بسرعة. وقرئ : أن ينقاض، من انقاضت السنُّ : إذا سقطت طولاً. ﴿فأقامه﴾ قيل : مسحه بيده فقام، وقيل : نقضه وبناه، وهو بعيد. ﴿قال﴾ له موسى :﴿لو شئتَ لاتخذتَ عليه أجرًا﴾ نتعشى به، وهو تحريض له على أخذ الجُعل، أو تعريض بأنه فُضول، وكأنه لَمَّا رأى الحِرمَان ومساس الحاجة كان اشتغاله بذلك في ذلك الوقت مما لا يعني، فلم يتمالك الصبر عليه. قال ابن التين : إن الثالثة كانت نسيانًا ؛ لأنه يبعد الإنكار لأمر مشروع، وهو الإحسان لمن أساء. هـ. وفيه نظر ؛ فقد قال القشيري في تفسير الآية : لم يقل موسى : إنك ألْمَمْتَ بمحظور، ولكن قال : لو شئتَ، أي : فإن لم تأخذ بسببك فهلا أخذت بسببنا، فكان أخْذُ الأجر خيرًا من الترك، ولئن وَجَبَ حقُّهم فَلِمَ أخللت بحقنا ؟ ويقال : إنَّ سَفَرَه ذلك كان سفرَ تأديب، فَرُدَّ إلى تَحَمُّلِ المشقة، وإلاَّ فهو نسي، حيث سقى
١٨٤


الصفحة التالية
Icon