يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قال﴾ الخضر عليه السلام :﴿هذا فراقُ بيني وبينك﴾ فلا تصحبني بعد هذا، ﴿سأنبئُك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا﴾ أي : سأخبرك بالخبر الباطن، فيما لم تستطع عليه صبرًا ؛ لكونه منكرًا في الظاهر، فالتأويل : رجوع الشيء إلى مآله، والمراد هنا : المآل والعاقبة، وهو خلاص السفينة من اليد العادية، وخلاص أَبَوَيْ الغلام من شره، مع الفوز بالبدل الأحسن، واستخراج اليتيمين للكنز، وفي جعل صلة الموصول عدم استطاعته، ولم يقل :" بتأويل ما رأيت " ؛ نوعُ تعريضٍ به، وعناية عليه السلام.
ثم جعل يفسر له، فقال :﴿أما السفينة﴾ التي خرقتُها، ﴿فكانت لمساكين﴾ : ضُعفاء، لا يقدرون على مدافعة الظلمة، فسماهم مساكين ؛ لذلهم وضعفهم، ومنه قوله ﷺ :" اللهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وأمتْنِي مِسْكِينًا، واحْشُرْنِي في زُمرةِ المَسَاكِينِ " فلم يُرد مسكنة الفقر، وإنما أراد التواضع والخضوع، أي : احشرني مخبتًا متواضعًا، غير جبار ولا متكبر، وقيل : كانت السفينة لعشرة إخوة : خمسة زَمْنَى، وخمسة ﴿يعملون في البحر﴾. وإسناد العمل إلى الكل، حينئذ، بطريق التغليب، ولأن عمل الوكيل بمنزلة الموكل. ﴿فأردت أن أعيبها﴾ : أجعلها ذات عيب، ﴿وكان ورائهم ملكٌ﴾ أي : أمامهم، وقرئ به، أو خلفهم، وكان رجوعهم عليه لا محالة، وكان اسمه :" جلندي بن كركر " وقيل :" هُدَدُ بن بُدَد "، قال ابن عطية : وهذا كله غير ثابت، يعني : تسمية الملك. ﴿يأخذُ كلَّ سفينة﴾ صالحة، وقرئ به، ﴿غَصْبًا﴾ من أصحابها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٥


الصفحة التالية
Icon