وكان حق النظم أن يتأخر بيانُ إرادةِ التعيُّبِ عن خوف الغصب، فيقول : فكانت لمساكين، وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة، فأردت أن أعيبها ؛ لأن إرادة التعيب مُسَبَّبٌ عن خوف الغصب، وإنما قدّم ؛ للاعتناء بشأنها ؛ إذ هي المحتاجة إلى التأويل، ولأن في التأخير فصلاً بين السفينة وضميرها، مع توهم رجوعه إلى الأقرب قال البيضاوي : ومبني ذلك - أي : التعيب وخوف الغصب - على أنه متى تعارض ضرران يجب حمل أهونهما بدفع أعظمهما، وهو أصل ممهد، غير أن الشرائع في تفاصيله مختلفة. هـ.
﴿وأما الغلامُ﴾ الذي قتلتُه ﴿فكان أبواه مؤمنين﴾ وقد طُبع هو كافرًا، وإنما لم يصرح بكفره ؛ لعدم الحاجة إليه ؛ لظهوره من قوله :﴿فخشينا أن يُرهقهما﴾ : فخفنا أن يغشى الوالدَيْنِ المؤمنَيْنِ ﴿طغيانًا﴾ عليهما ﴿وكفرًا﴾ بنعمتهما ؛ لعقوقه وسوء صنيعه، فَيُلْحِقُهُمَا شرًا، أو لشدة محبتهما له فيحملهما على طاعته، أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره، فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر، فلعله يميلهما إلى رأيه فيرتدا. وإنما
١٨٦
خشي الخضر عليه السلام منه ذلك ؛ لأن الله سبحانه أعلمه بحاله وأطلعه على عاقبة أمره، وقرئ :" فخاف ربك "، أي : كره سبحانه كراهية من خاف سوء عاقبة الأمر. ويجوز أن تكون القراءة المشهورة من قول الله سبحانه على الحكاية، أي فكرهنا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا ؛ ﴿فأردنا أن يُبدلهما ربُّهما خيرًا منه﴾ ؛ بأن يرزقهما بدله ولدًا ﴿خيرًا منه زكاةً﴾ : طهارة من الذنوب والأخلاق الردية، ﴿وأقربَ رُحْمًا﴾ أي : رحمة وعطفًا، وفي التعرض لعنوان الربوبية والإضافة إليهما ما لا يخفى ؛ من الدلالة على وصول الخير إليهما، فلذلك قيل : ولدت لهما جارية، تزوجها نبي من الأنبياء فولدت نبيًا، هدى الله تعالى على يديه أمة من الأمم، وقيل : ولدت سبعين نبيًا، وقيل : أبدلهما ابنًا مؤمنًا مثلهما.


الصفحة التالية
Icon