﴿حتى إذا بلغ مَغْرِب الشمس﴾ أي : منتهى الأرض من جهة المغرب، بحيث لا يتمكن أحد من مجاوزته، ووقف على حافة البحر المحيط الغربي، الذي فيه الجزاير المسماة بالخالدات، التي هي مبدأ الأطوال على أحد القولين. ﴿وجدَها﴾ أي : الشمس، ﴿تغربُ في عينٍ حَمِئَةٍ﴾ أي : ذات حمأ، وهو الطين الأسود، وقرئ : حامية، أي : حارة، رُوي أن معاوية رضي الله عنه قرأ حامية، وعنده ابن عباس، فقال ابن عباس : حمئة، فقال : معاوية لعبد الله بن عمرو بن العاص : كيف تقرأ ؟ قال : كما يقرأ أمير المؤمنين، ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب ؟ قال : في ماء وطين، كذا نجده في التوراة، فوافق قول ابن عباس رضي الله عنه.
وليس بينهما تنافٍ، لجواز كون العين جامعة بين الوصفين، وأما رجوع معاوية إلى قول ابن عباس بما سمعه من كعب الأحبار، مع أن قراءته أيضًا متواترة، فلكون قراءة ابن عباس قطعية في مدلولها، وقراءته محتملة، ولعله لَمَّا بلغ ساحل البحر المحيط رآها كذلك، إذ ليس في مطمح نظره غير الماء، كما يلوح به قوله تعالى :﴿وجدها تغرب﴾، ولم يقل : كانت تغرب ؛ فإن الشمس في السماء لا تغرب في الأرض.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٩
ووجد عندها﴾
أي : تلك العين ﴿قومًا﴾ ؛ قيل : كان لباسهم جلود الوحش، وطعامهم ما لفظه البحر، وكانوا كفارًا، فخيّره الله تعالى بين أن يعذبهم بالقتل، وأن يدعوهم إلى الإيمان، فقال :﴿قلنا يا ذا القرنين إِما أن تُعَذَّبَ﴾ بالقتل من أول الأمر، ﴿وإِمّا أن تتخذ فيهم حُسْنًا﴾ ؛ أمرًا ذا حُسْنٍ، وذلك بالدعوة إلى الإسلام والإرشاد إلى الشرائع، واستدل بهذا على نبوته، ومن لم يقل بها قال : كان بواسطة نبي كان معه في
١٩٢


الصفحة التالية
Icon