وقوله تعالى :﴿كذلك﴾ : أي : أمر ذي القرنين كما وصفنا، في رفعة المحل وبسط الملك، أو أمره فيهم كأمره في أهل مغرب الشمس، من التخيير والاختيار، أو وجد قومًا عند مطلع الشمس كذلك، وحكم فيهم، بحكم أولئك. أو :﴿لم نجعل لهم﴾ سترًا مثل ستركم من اللباس والأكنان والجبال. قال الحسن : كانت أرضهم لا جبل فيها ولا شجر، ولا تحمل البناء، فإذا طلعت الشمس هربوا إلى البحر. هـ. قال تعالى :﴿وقد أحطْنا بما لديه﴾ من الأسباب والعُدَد، وما صدر عنه وما لاقاه ﴿خُبْرًا﴾ : علمًا تعلق بظواهره، وخفايا أمره، يعني : أن ذلك بلغ من الكثرة بحيث لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير. الإشارة : كان ذو القرنين في الظاهر يلتمس مطلع الشمس الحسية، وفي الباطن يلتمس مطلع الشمس المعنوية، وهي شمس القلوب، التي تكشف أستار الغيوب، ثم أتبع سبَبًا يُوصل إلى شمس العيان، فوجدها تطلع على قلوب أهل العرفان، لم يجعل لهم من دونها سِتْرًا على الدوام، لما أتحفهم به من غاية الوصال والإكرام، حتى قال قائلهم : لو حجب عني الحق تعالى طرفة عين ما أعددت نفسي من المسلمين، وكذلك رسول الله ﷺ، أو يقول : وجدها تطلع على أهل التجريد، الخائضين في بحار التوحيد، وأسرار التفريد، وفيهم قال المجذوب رضي الله عنه :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٤
أقَارِئينَ عِلْمَ التَّوْحِيدِ
هُنَا البُحورُ إلَيَّ تُنْبِي
هَذَا مَقَامُ أَهْلِ التَّجْرِيد
الْوَاقفِينَ مَع ربِّي
قد تجرّدوا من لباس الزينة والافتخار، ولبسوا لباس المسكنة والافتقار، فعوضهم الله تعالى في قلوبهم لباس الغنى والعز والاقتدار، صبروا قليلاً، واستراحوا زمنًا طويلاً، تذللوا قليلاً، وعزّوا عزًا طويلاً، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٤
قلت :﴿بين السدين﴾ : مفعول، لا ظرف ؛ لأنه يستعمل متصرفًا.


الصفحة التالية
Icon