﴿قال ما مكَّني﴾ - بالفك وبالإدغام - أي : ما مكنني ﴿فيه ربي﴾، وجعلني في مكينًا قادرًا من الملك والمال وسائر الأسباب، ﴿خيرٌ﴾ من جُعْلِكم، فلا حاجة لي به، ﴿فأَعينوني بقوة﴾ الأبدان وعمل الأيدي، كصُنَّاع يحسنون البناء والعمل، وبآلاتٍ لا بد منها في البناء، ﴿أجعلْ بينكم وبينهم رَدْمًا﴾ أي : حاجزًا حصينًا، وبرزخًا مكينًا، وهو أكبر من السد وأوثق، يقال : ثوب مُردم ؛ إذا كان ذا رقاع فوق رقاع، وهذا إسعاف لهم فوق ما يرجون. ﴿آتُوني زُبَرَ الحديد﴾ : جمع زبرة، وهي القطعة الكبيرة، وهذا لا ينافي رد خراجهم ؛ لأن المأمور الإيتاء بالثمن أو المناولة، كما ينبئ عنه قراءة :" ائتوني " ؛ بوصل الهمزة، أي : جيئوني بزبر الحديد، على حذف الباء، ولأن إيتاء الآلة من قبيل الإعانة بالقوة، دون الخراج على العمل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٥
قال القشيري : استعان بهم في الذي احتاج إليه منهم، ولم يأخذ منهم عُمالة ؛ لما رأى أن من الواجب عليه حق الحماية على حسب المُكنة. هـ.
ولعل تخصيص الأمر بالإتيان بها دون سائر الآلات ؛ من الفحم والحَطب وغيرهما ؛ لأن الحاجة إليها أمسُّ ؛ لأنها الركن في السد، ووجودها أعز. قيل : حفر الأساس حتى بلغ الماء، وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب، والبنيان من زبر الحديد، وجعل بيْنهما الفحم والحطب، حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما، وكان بينهما مائة فرسخ، وذلك قوله تعالى :﴿حتى إذا ساوى بين الصَّدَفَينِ﴾، وقرئ بضمهما، أي : ما زال يبني شيئًا فشيئًا حتى إذا جعل ما بين ناصيتي الجبلين من البنيان مساويًا لهما في السُّمْك. قيل : كان ارتفاعه : مائتي ذراع، وعرضه : خمسون ذراعًا. وقرئ ﴿سوَّى﴾ ؛ بالتشديد، من التسوية.


الصفحة التالية
Icon