كُنْهُهُ، ﴿وعرَضْنَا جهنم﴾ ؛ أظهرناها وأبرزناها ﴿يومئذ﴾ أي : يوم إذ جمعنا الخلائق كافة، ﴿للكافرين﴾ منهم، بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظًا وزفيرًا، ﴿عَرضًا﴾ فظيعًا هائلاً لا يقدر قدره، وخص العَرض بهم، وإن كان بمرْأى من أهل الموقف قاطبة ؛ لأن ذلك لأجلهم. ثم ذكر وصفهم بقوله :﴿الذين كانت أعينهم﴾ وهم في الدنيا ﴿في غطاءٍ﴾ كثيف وغشاوة غليظة ﴿عن ذكري﴾ : عن سماع القرآن وتدبره، أو : عن ذكري بالتوحيد والتمجيد، أو كانت أعين بصائرهم في غطاء عن ذكري على وجه يليق بشأني، ﴿وكانوا لا يستطيعون سمعًا﴾ أي : وكانوا مع ذلك ؛ لفرط تصامُمِهم عن الحق وكمال عداوتهم للرسول ﷺ، لا يستطيعون استماعًا منه لذكري وكلامي، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذا تمثيل لإعراضهم عن الأدلة السمعية، كما أن الأول تصوير لتعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٥
الإشارة : السياحة في أقطار الأرض مطلوبة عند الصوفية في بداية المريد، أقلها سبع سنين، وقال شيخ شيوخنا سيدي علي الجمل رضي الله عنه : أقلها أربع عشرة سنة. وفيها فوائد، منها : زيارة الإخوان، والمذاكرة معهم، وهي ركن في الطريق، ومنها : نفع عباد الله، إن كان أهلاً لتذكيرهم، (فلأن يهدي الله به رجلاً واحدًا خير له مما طلعت عليه الشمس). ومنها : تأسيس باطنه وتشحيذ معرفته، ففي كل يوم يلقى تجليًا جديدًا، وتلوينًا غريبًا، يحتاج معه إلى معرفة كبيرة وصبر جديد، فالمريد كالماء، إذا طال مُكثه في مكانه أنتن وتغيَّر، وإذا جرى عَذُبَ وصَفَى. ومنها : أنه قد يلقى في سياحته من يربَحُ منه، أو يزيد به إلى ربه.


الصفحة التالية
Icon