يقول الحقّ جلّ جلاله : منكرًا على الكفار المتقدمين :﴿أفَحَسِبَ الذين كفروا﴾ حين أعرضوا عن ذكري، وكانت أعينهم في غطاء عن رؤية دلائل توحيدي، ﴿أن يتخذوا عبادي﴾ كالملائكة والمسيح وعزير، أو الشياطين ؛ لأنهم عباد، ﴿من دُونِي أولياءَ﴾ أي : معبودين من دوني، يُوالونهِم بالعبادة، أن ذلك ينفعهم، أو : ألا نعذبهم على ذلك، بل نعذبهم على ذلك، ﴿إِنا أَعتدنا﴾ ؛ يَسَّرنا وهيأنا ﴿جهنمَ للكافرين نُزُلاً﴾ أي : شيئًا يتمتعون به أول ورودهم القيامة. والنزُل : ما يقدم للنزيل أي : الضيف، وعدل عن الإضمار ؛ ذمًا لهم على كفرهم، وإشعارًا بأن ذلك الإعتاد بسبب كفرهم، وعبَّر بالإعْتادِ ؛
٢٠٠
تهكمًا بهم، وتخطئة لهم، حيث كان اتخاذهم أولياء من قبيل العتاد، وإعداد الزاد ليوم المعاد، فكأنه قيل : إنا أعتدنا لهم، مكان ما أعدوا لأنفسهم من العدة والذُّخْرِ، جهنم ؛ عدة لهم. وفي ذكر النُزل : إيماء إلى أن لهم وراء جهنم من العذاب ما هو أنموذج له، وتستحقر دونه، وقيل : النزل : موضع النزول، أي : أعتدناها لهم منزلاً يقيمون فيه. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ما أحببتَ شيئًا إلا وكنتَ له عبدًا، وهو لا يُحب أن تكون لغيره عبدًا، فأَفْرد قلبك لله، وأَخْرِج منه كلَّ ما سواه، فحينئذ تكونُ عبدًا لله، حرًا مما سواه، فكل ما سوى الله باطلٌ، وظل آفل، فكن إبراهيميًا، حيث قال :﴿لاا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ [الأنعَام : ٧٦]، فارفع أيها العبد همتك عن الخلق، وعلقها بالملك الحق، فلا تُحب إلا الله، ولا تطلب شيئًا سواه، كائنًا ما كان، من جنس الأشخاص، أو من جنس الأحوال أو المقامات أو الكرامات ؛ لئلا تنخرط في سلك من اتخذ من دون الله أولياء، فتكون كاذبًا في العبودية.


الصفحة التالية
Icon