الإشارة : كل آية في الكفار تجر ذيلها على الغافلين، فكل من قنع بدون عبادة فكرة الشهود والعيان، ينسحب عليه من طريق الباطن أنه ضل سعيه، وهو يحسب أنه يُحسن صُنعًا، فلا يقام له يوم القيامة وزن رفيع، فتنسحب الآية على طوائف، منها : منْ عَبَدَ اللهَ لطلب المنزلة عند الناس، وهذا عين الرياء ؛ رُوي عن عثمان أنه قال على المنبر :(الرياء سبعون بابًا، أهونها مثل نكاح الرجل أمه). ومنها : من عَبَدَ الله لطلب العوض والجزاء عند الخواصِّ، ومنها : من عبد الله لطلب الكرامات وظهور الآيات، ومنها : من عبد الله بالجوارح الظاهرة، وحجب عن الجوارح الباطنة، وهي عبادة القلوب، فإن الذرة منها
٢٠٢
تعدل أمثال الجبال من عبادة الجوارح، ومنها : من وقف مع الاشتغال بعلم الرسوم، وغفل عن علم القلوب، وهو بطالة وغفلة عند المحققين، ومنها من قنع بعبادة القلوب، كالتفكر والاعتبار، وغفل عن عبادة الأسرار، كفكرة الشهود والاستبصار، والحاصل : أن كل من وقف دون الشهود والعيان فهو بطّال، وإنْ كان لا يشعر، وإنما ينكشف له هذا الأمر عند الموت وبعده، وسيأتي عند قوله تعالى :﴿وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزُّمَر : ٤٧]، زيادة بيان على هذا إن شاء الله. فقد يكون الشيء عبادة عند قوم وبطالة عند أخرين ؛ حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولا يفهم هذا إلا من ترقى عن عبادة الجوارح إلى عبادة القلوب والأسرار. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠١


الصفحة التالية
Icon