﴿قال ربِّ أنّى يكونُ لي غلامٌ﴾ أي : من أين وكيف يحدث لي غلام، ﴿وكانت امرأتي عاقرًا﴾ : عقيمة، ﴿وقد بلغتُ من الكِبَر عتيًّا﴾ : يبسًا في الأعضاء والمفاصل، ونحولاً في البدن، لِكِبَرِهِ، وكان سنُّه إذ ذاك مائة وعشرين، وامرأته ثمان وتسعين. وتقدم الخلاف فيه. وإنما قاله عليه السلام مع سبق دعائه وقوة يقينه، لا سيما بعد مشاهدته للشواهد المذكورة في آل عمران ؛ استعظامًا لقدرة الله تعالى، وتعجيبًا منها، واعتدادًا بنعمته تعالى عليه في ذلك، بإظهار أنه من محض فضل الله وكرمه، مع كونه في نفسه من الأمور المستحيلة عادة. وقيل : كان دهشًا من ثمرة الفرح، وقيل : كان ذلك منه استفهامًا عن كيفية حدوثه. وقيل : بل كان ذلك بطريق الاستبعاد، حيث كان بين الدعاء والبشارة سِتُّون سنة، وكان قد نسي دعاءه، وهو بعيد.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٠
قال كذلك﴾
أي : الأمر كما ذكر من كبر السن وعقم المرأة، لكن هو على قدرتنا هين، ولذلك قال :﴿قال ربك هو عليّ هيِّنٌ﴾، أو مثل ذلك القول البديع قال ربك، ثم
٢١١
فسَره بقوله :﴿هو عليّ هيِّن﴾، أو " مثل " مقحمة، أي : ذلك قال ربك. والإشارة إلى مصدره، الذي هو عبارة عن إيجاد الولد السابق، أو كذلك قضى ربك. ثم قال :﴿هو عليَّ هيِّن وقد خلقتُكَ من قبلُ ولم تكُ شيئًا﴾ أي : وقد أوجدت أصلك " آدم " من العدم، ثم نشأتَ أنت من صلبه، ولم تك شيئًا، فإن نشأة آدم عليه السلام وتصويره منطوية على نشأة أولاده، ولذلك قال في آية أخرى :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ [الأعرَاف : ١١] الآية. انظر تفسير أبي السعود.


الصفحة التالية
Icon