﴿قال ربِّ اجعلْ لي آية﴾ أي : علامة تدلني على تحقق المسؤول، وبلوغ المأمول، وهو حمل المرأة بذلك الولد، لأتلقى تلك النعمة العظيمة بالشكر حين حدوثها، ولا أؤخر الشكر إلى وقت ظهورها، وينبغي أن يكون سؤاله الآية بعد البشارة ببرهة من الزمان ؛ لما يُروى أن (يحيى كان أكبر من عيسى - عليهما السلام - بستة أشهر، أو بثلاث سنين)، ولا ريب في أن دعاء زكريا عليه لسلام كان في صغر مريم، لقوله تعالى :﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ [آل عمران : ٣٨]، وهي إنما ولدت عيسى عليه السلام وهي بنت عشر سنين، أو ثلاث عشرة سنة، أو يكون تأخر ظهورُ الآية إلى قرب بلوغ مريم - عليها السلام -.
﴿قال﴾ له تعالى :﴿آيتك ألاّ تُكَلّم الناس﴾ أي : أن لا تقدر على أن تُكلم الناسَ مع القدرة على الذكر، ﴿ثلاث ليالٍ﴾ بأيامهن، للتصريح بها في آل عمران، حال كونك ﴿سويًّا﴾ أي : سَوِيّ الخَلْقِ سليم الجوارح، ما بك شائبَةُ بَكَمٍ ولا خَرَس، وإنما مُنعت بطريق الاضطرار مع كمال الأعضاء. وحكمة منعه ؛ لينحصر كلامه في الشكر والذكر في تلك الأيام.
﴿فخرج على قومِهِ من المحراب﴾ : من المصلّى، وكان مغلقًا عليه، فالمحراب مكان التعبد، أو من الغرفة، وكانوا من وراء المحراب ينتظرونه أن يفتح لهم الباب، ليدخلوا ويُصلوا، إن خرج عليهم متغيرًا لونه، فأنكروه، وقالوا له : ما لك " فأوحى إليهم أي : أوْمَأ إليهم، وقيل كتب في الأرض ﴿أن سبِّحُوا﴾ أي صلوا ﴿بُكرةً وعَشِيًا﴾ : صلاة الفجر وصلاة العصر، ولعلها كانت صلاتهم. أو : نزهوا ربكم طرفي النهار، ولعله أُمِر أن يُسبح فيها شكرًا، ويأمر قومه بذلك. والله تعالى أعلم.