قلت :﴿إذ انتبذت﴾ : بدل اشتمال من مريم، على أن المراد بها نبؤها، فإن الظرف مشتمل على ما فيها، وقيل : بدل الكل، على أن المراد بالظرف ما وقع فيه. وقيل :" إذ " ظرف لنبأ المقدر، أي : اذكر نبأ مريم حين انتبذت ؛ لأن الذكر لا يتعلق بالأعيان، لكن لا على أن يكون المأمور به ذكر نبأها عند انتباذها فقط، بل كل ما عطف عليه وحكي بعده بطريق الاستثناء داخل في حيز الظرف متمم للنبأ. و ﴿مكانًا﴾ : مفعول بانتبذت، باعتبار ما فيه من معنى الإتيان، أي : اعتزلت وأتَتْ مكانًا شرقيًا، أو ظرف له، أي : اعتزلت في مكان شرقي. و ﴿بَشرًا﴾ : حال. وجواب ﴿إن كنت﴾ : محذوف، أي : إن كنت تقيًا فإني عائذة بالرحمن منك. و ﴿بَغِيًّا﴾ أصله : بغوي، على وزن فعول، فأدغمت الواو - بعد قلبها ياء - في الياء، وكسرت الغين للياء، و ﴿لنجعله﴾ : متعلق بمحذوف،
٢١٤
أي : ولنجعله آية فعلنا ذلك، أو معطوف على محذوف، أي : لنُبين لهم كمال قدرتنا ولنجعله... الخ. أو على جملة :﴿هو عليّ هين﴾ ؛ لأنها في معنى العلة، أي : كذلك قال ربك ؛ لقدرتنا على ذلك ؛ ولنجعله... الخ.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿واذكرْ﴾ يا محمد ﴿في الكتابِ﴾ : القرآن، والمراد هذه السورة الكريمة ؛ لأنها هي التي صُدرت بذكر زكريا، واستتبعت بذكر قصة مريم ؛ لما بينهما من الاشتباك. أي : اذكر في الكتاب نبأ ﴿مريم إِذ انتبذتْ﴾ ؛ حين اعتزلت ﴿من أهلها﴾ وأتت ﴿مكانًا شرقيًا﴾ من بيت المقدس، أو من دارها لتتخلى فيه للعبادة، ولذلك اتخذت النصارى المشرق قبلة. وقيل : قعدت في مشربة لتغتسل من الحيْض، محتجبة بشيء يسترها، وذلك قوله تعالى :﴿فاتخذتْ من دونهم حجابًا﴾، وكان موضعها المسجد، فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها، وإذا طهرت عادت إلى المسجد. فبينما هي تغتسل من الحيض، متحجبةً دونهم، أتاها جبريل عليه السلام في صورة آدمي، شاب أمرد، وضيء الوجه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٤


الصفحة التالية
Icon