قال تعالى :﴿فأرسلنا إِليها رُوحنا﴾ : جبريل عليه السلام، عبَّر عنه بذلك ؛ توفية للمقام حقه. وقرئ بفتح الراء ؛ لكونه سببًا لِمَا فيه روح العباد، يعني اتباعه والاهتداء به، الذي هو عدة المقربين في قوله :﴿فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾ [الواقِعَة : ٨٨، ٨٩]. ﴿فتمثَّل لها بشرًا سويًّا﴾ : سَويّ الخَلق، كامل البنية، لم يفقد من حِسان نعوت الآدمية شيئًا، وقيل : تمثل لها في صورة شاب تِرْبٍ لها، اسمه يوسف، مِنْ خدَم بيت المقدس، وإنما تمثل لها في تلك الصورة الجميلة لتستأنس به، وتتلقى منه ما يلقى إليها من كلامه تعالى ؛ إذ لو ظهر لها على صورة الملَكية، لنفرت منه ولم تستطع مقاومته. وأما ما قيل من أن ذلك لتَهيج شهوتُها، فتنحدر نطفتها إلى رحمها، فغلط فاحش، ينحو إلى مذهب الفلاسفة، ولعلها نزعة مسروقة من مطالعة كتبهم، يُكذبه قوله تعالى :﴿قالت إِني أعوذ بالرحمن منك إِن كنت تقيًا﴾، فإنه شاهد عدل بأنه لم يخطر ببالها ميل إليه، فضلاً عن ما ذكر من الحالة المترتبة على أقصى مراتب الميل والشهوة. نعم يمكن أن يكون ظهر على ذلك الحُسن الفائق والجمال اللائق ؛ لابتلائها واختبار عِفّتها، ولقد ظهر منها من الورع والعفاف ما لا غاية وراءه. وذِكْرُ عنوان الرحمانية ؛ للمبالغة في العِيَاذ به تعالى، واستجلاب آثر الرحمة الخاصة، التي هي العصمة مما دهمها. قاله أبو السعود. وقولها :﴿إِن كنتَ تَقيًّا﴾ أي : تتقي الله فتُبَالى بالاستعاذة به.
﴿قال إِنما أنا رسولُ ربك﴾ أي : لستُ ممن يتوقع منه ما توهمت من الشر، وإنما أنا رسول من استعذت برحمانيته ؛ ﴿لأهَبَ لك غُلامًا﴾ أي : لأكون سببًا في هبة الغلام، أو : ليهب لك ربُك غُلامًا - في قراءة الياء -. والتعرض لعنون الربوبية مع الإضافة إلى
٢١٥


الصفحة التالية
Icon